بقلم /طارق الغرابلي
البروباغاندا الترويج أو التبشير، وربما أشمل وأوسع من ذلك في إطار الدعاية لمعلومات موجهة ومركزة وأحادية نحو مجموعة معينة مختاره بعناية، كي تؤثر فيها بشكل مباشر في السلوك والتصرف والفعل، لتحقيق مآرب ومصالح شخصية أو أكبر من ذلك بكثيييييييرعلى المستوى المحلي والإقليمي والدولي.. وفــــــــي كثير من الأحيان أو في أغلبها تكون تلك المعلومات كاذبة أو ناقصة (مضللة) بهدف زرعها ونشرها بين أعضاء المجموعة،وعادة ما تكون المجموعة عاطفية أكثر منها عقلانية،ليتحقق تغيير في السرد المعرفي لكل فرد في قطيع المجموعة حتى تتم عملية تنفيذ أجندات تكون سياسية في معظمها.
وتعنـــــــي البروباغانداأيضاً استغلال الاهتمامات الفردية الفيسيولوجية لإعادة توجيهها نحو مسارات ضيقة ومحدودة لتحقيق أهداف أكثر عمقاً، فالاهتمامات الأكثر شيوعا لدى المستهدفين بالتغيير عادة ما تكون العقيدة الدينية بالدرجة الأولى أو القومية العرقية،ويكون الاستغلال أحياناً موجها نحو الطبقات الفقيرة والمهمشة في المجتمع، كي تمنح البروباغاندا المنفذة شرعيتها للتصديق والبدء في العمل عبر خلق وابتكار صورة للعدو تكون واضحة الملامح من أجل توحيد الصف الشعبوي، حتى تتم عملية السيطرة والهيمنة إما من خلال إقصاء المعارضة أو الانقلاب على نظام الحكم.. لقد مارس سادة قريش البروباغاندا عندما قاموا بتحريض القبائل والأقليات على دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث تم اختلاق الأكاذيب و التزييف من خلال الشعراء والكهنة بأن الدين الإسلامي دين السحر والشعوذة، وفي العصر الحديث، مع انتشار أفكار «مارتن لوثر» التي كانت تنادي بالثورة ضد الكنيسة وانفصالها عن السياسة كانت الصحافة إحدى أهم وسائل البروباغاندا كوسيلة للسياسيين يتم استخدامها في الصراع السياسي، وتداولت بعدها الأحداث ففي الحرب العالمية الأولى أسس الأمريكان والانجليز أجساما دعائية كلف بها كبار المفكرين والمنظرين أخذت على عاتقها التحريض ضد الألمان.. فــــــي عالمنا المعاصر عند اندلاع المظاهرات الرافضة” الثورات “ ضد الأنظمة العسكرية والدكتاتورية بسبب ارتفاع معدل الفساد وبرنامج توريث الأبناء دون تحقيق مستوى مقبول من التنمية الفكرية أو الاقتصادية، حتى وصلت أبواب الأنظمة الملكية
ظهرت البروباغاندا المتعارف عليها في حلة جديدة ضد المناوئين لحكم العسكر وحكم التاج، وفي شكل مبتكر نتيجة التطور الهائل والفائق السرعة في تقنية المعلومات الذي أفرز عدة وسائل سهلة الاستخدام ومتاحة وغير مكلفة شرائح المجتمع كافة عبر التواصل ومعرفة ما يجري في بلاد ما وراء المحيطات والقفار التواصل الاجتماعي ، وهو ما تداول على تسميته “ الذباب الإلكتروني “ حيث يقوم على إعادة تدوير البروباغاندا، بطرق أكثر تفاعلاً وتصديقاً للفكر العقلاني، حيث تم استخدام أساليب وسائل أكثر إقناعاً ورسوخاً كالقولبة والتنميط لتسمية الأشياء بغير مسمياتها، والتكرار الممنهج للمصطلحات والجمل العميقة والمعبرة حتى الوصول إلى اللاوعي، وأيضا عمليات الادعاء المهني للموضوعية والشفافية في قبول الرأي الأخر وإمكانية فرص الحوار.
بــــــل إن الأمر تطور ليصبح تجارة تدر أموالاً لا تحصى من خلال تأجير أو تجنيد ذوي التأثير العالمي، من عباءات دينية و بدلات إعلامية أو ربما رياضيين وفنانين مشهورين لديهم الآف المعجبين والمتابعين (المقلدين إن صح التعبير) وأن أي فعل أو ردة فعل من المؤثرين سيلقى قبولاًتاماًلدى المتأثرينوتأييداًكاملاً يتحول إلى فعل موجه ودقيق بحسبالاحداثيات الوهمية التي تم رسمها. فتجد أكثر المصطلحات المتناقضة تتداول فيما بينهم مثل (خونة، عملاء، ارهابيين في مقابل مدنيين، ضحايا، شهداء).. برأيــــــك لماذا عنترة في قصصه البروباغاندية كان يركض هرباً وخوفاً من ثور هائج ؟ وهو الذي قتل 40 لصاً في مواجهة واحدة، حيث قالإن الثور لا يعرف عنترة ؟ هنا نجحت البروباغاندا في صناعة قصص بطولات عنترة التي ساهمت بنسبة 99.9 % في هزيمة خصمه.
فالجنود الحقيقيون والفعليون من وراء الهرج القائم في وقتنا المعاصر هم الذين يُقاتِلون ولا يَقتُلون ولا يُقتّلون،إنهم أهل البروباغاندا. فعليك أن تطلق عليهم اسم ذباب أو ما فوق البعوض.