د. سليمان سالم الشحومي
مؤسس سوق المال الليبي
وباء كورونا يبدو انه قد يكون سببا في الإطاحة بانظمة اقتصادية كانت تعتمد علي تعظيم الثروة لدي القلة و ضمان الحد الادني من الدخل لباقي الجموع ، تلك الجموع التي أجبرت علي الجلوس بالبيوت خوفا من الوباء مما أدي الي تقلص نشاط القلة و انهياره ، وصار يبحثون عن دعم الحكومة لإنقاذهم و إنقاذ النظام الاقتصادي.
استجابة العديد من دول الاتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة الامريكية لهذه الازمة تعبر عن تأخر الاستجابة الانسانية و الطبية ربما بسبب فقدان قدرة النظام ولم يطور لمثل هذه الاستجابات لعامة الجموع ، فالاستجابة الاقتصادية كانت الأسرع و الأكثر جاهزية واقناع لاقتصاد القلة عبر اقرار مساعدات للشركات وتحمل لمرتبات العاملين لديها و الحرص قدر المستطاع علي عدم حدوث تغيرات هيكلية في نسبة البطالة و تخفيف الاعباء الآخري علي الشركات كالضرائب و الرسوم وغيرها.
فمثلا الحكومة البريطانية صدمت عامة الشعب البريطاني بسياسة إصابة 60 % من الشعب بالمرض او ما يسمي باصابة القطيع والحصول علي مناعة طبيعة و بينوا للشعب ان هناك فقدان كبير بالأرواح علي الشعب ان يستعد له، لقد كان ذلك كارثياً بمعني الكلمة و اوضح بجلاء فشله كاستراتيجية لمجابهة هذا الوباء والذي اثار غضب عارم من الشعب وخصوصا كبار السن الذين وضعوا كقربان علي مذبح النظام الصحي الفاشل و الذين كانوا هم السبب في قرار الخروج من الاتحاد الاوروبي الذي اعتبرته الحكومة تنفيذا لا إرادة الجموع ، ولكن بعدة ايام معدودة عدلت الحكومة اُسلوب المجابهة بشكل كامل عبر استيعاب الدرس الصيني والذي قام علي سياسة العزل و رفع القدرة الطبية لمواجهة الحالات و الحفاظ علي حياتهم بدلا من التضحية بكبار السن الاكثر احتمالا لفقدان حياتهم ، و الذين تعامل معهم نموذج اقتصاد القلة بشكل بارقماتي (مصالحي) كونهم بدون جدوي اقتصادية مستقبلية .
منظومة الاتحاد الاوروبي الاقتصادية و الانسانية و الاجتماعية تترنح امام هذا الوباء و الذي اعاد رسم خطوط الحدود و البوبات و عجز الاتحاد كمنظومة تجارية و مالية مصرفية علي الاستجابة لمتطلبات الرفع من مستوي الخدمات الطبية كما سقطت منظومة التامين الطبي كوسيلة لتمويل الخدمات الطبية مقابل المنظومة الدولة الراعية و الضامنة،
في مقابل نجاح منقطع النظير للمنظومة الصينية في المجابهة فسرعة الاستجابة الانسانية و الطبية كانت أساسية في تحقيق الانتصار علي هذا الوباء .
حتما لن يكون الاقتصاد كما كان و ربما سيكون للاقتصاد الرقمي و التواصل عن بعد في مجالات التعليم و الطب و ادارة الاعمال وغيرها دورا اكبر و أهمية في المستقبل و ربما ستتعدل النماذج الاقتصادية المحلية و يعادالنظر في منظومة القيم الاقتصادية و العلاقات بين القطاع الخاص و القطاع العام و القطاع الوسيط .
سيكون العب ثقيل جدا علي بلاداننا النامية و هي تبحث عن السبيل الاقتصادي الذي يرضي شعوبها ويدافع عنهم عند وقوع الكوارث و يرسم مستقبل مشرق لأبناهم وفقا نموذج اقتصادي عادل و شفاف ، حتما لا يرتكز علي اقتصاد القلة بل اقتصاد الجموع.
————-