منصة الصباح
د.علي المبروك أبوقرين

الإيدز بين الوقاية والتهديد

عرف العالم مرض نقص المناعة الإيدز وفيروس( HIV ) في الثمانينات نتيجة نقل الدم غير الآمن ، والعلاقات الجنسية ، وتعاطي المخدرات بالحقن ، واستعمال الأدوات الغير معقمة ، وفي ليبيا كانت مشكلة تلوث مشتقات الدم ب HIV لبعض مرضى الهيموفيليا عام 1986 ، وفي عام 1998 قضية أطفال بنغازي المعروفة ، ونسبة الانتشار بشكل عام منخفضة في بلادنا بالمقارنة بالدول الأفريقية ، ومتقاربة مع دول شمال أفريقيا حيث تتراوح من 0.1 إلى 0.2% أو أكثر قليلا ، وشهدت ارتفاعات في السنوات الأخيرة من بعد 2011 ، وتظل أعداد المسجلين تتراوح بين النسب المذكورة وفي الغالب تكون بين 8000 إلى 10000 أو يزيد لغياب البيانات الدقيقة ، والفئات الأكثر عرضة هي التي تتعاطى المخدرات بالحقن ، والعدوى الجنسية في الحالات الجديدة تصل إلى 40% من الحالات المصابة وفق إحصائيات بين عامي 2013 إلى 2017 ، ويكثر تركيز الحالات بالمدن الكبرى ، التي يتركز فيها أنتشار تعاطى المخدرات ، والهجرة الغير شرعية ، ولكن رغم أن العلاجات متوفرة وبالمجان ، وبدل الزملاء جهدا كبير بالمركز الوطني لمكافحة الأمراض ، وأقسام الأمراض السارية بالمستشفيات الليبية ، وكان لهم تعاون دولي وثيق بالهيئات والمؤسسات الدولية بالامم المتحدة ( UNAIDS ) ، ومنظمة الصحة العالمية ، الا أن نتيجة الانهيار في النظام الصحي من بعد الأحداث أثر على توفر الأدوية بانتظام ومن مصادرها الأصلية ، وانعكس على أقفال عدة مراكز بالبلاد ، ومع نتيجة عدم الاستقرار والأنقسام السياسي ، وفقدان التعاون الهيكلي بين القطاعات المنوطة ، مع زيادة أعداد الهجرة الغير شرعية ، وعدم توفر خدمات الفحوصات والكشف المبكر بالمنافذ ومعسكرات الهجرة ، وتسرب الملايين منهم داخل البلاد ، وصاحب كل ذلك الزيادة في أنتشار المخدرات بين فئات اليافعين ، وللأسف حتى في الأصغر سنا ، والذي يعتبر التهديد الأكبر في احتمالية زيادة نسب الإصابات بالايدز ، ولهذا أصبح من الضروريات الملحة أن تتخد الإجراءات في تبني برامج وطنية لمكافحة مرض نقص المناعة الإيدز ، ومكافحة المخدرات ، والهجرة الغير شرعية ، وفي حال اتخدت إجراءات جدية وشاملة في مكافحة المخدرات يتم تقليص حالات العدوى الجديدة بنسبة تتراوح من 40 إلى 60% خلال سنوات قليلة ، وفي حالة الحد من الهجرة والدخول للبلاد الغير قانوني ، وخصوصا من المناطق الموبؤة ، ستنعكس على الحد من العدوى ، وعند اعتماد برامج صارمة للفحص المبكر والعلاج المبكر للمصابين ، وتحصين وتثقيف صحي مكثف للهجرة في نقاط الاستقبال والمعسكرات الخاصة بهم ، تنخفض حالات العدوى ويتم حماية المجتمع المضيف من أنتشار عدوى الإيدز ، ويتطلب دعم المراكز الصحية المعنية ، ومضاعفة أعدادها وتوفير التجهيزات اللازمة لها ، وتزويدها بالقوى العاملة الصحية المؤهلة ، واشراك الاخصائيين الاجتماعيين والنفسيين ، وللجميع يجب أن يخصص لهم تدريب مستمر ، وتسويات إدارية ومالية تحفزهم على العمل ، وتكثيف التوعية الصحية المجتمعية عن طريق كل الوسائل والوسائط الإعلامية ، والتوسع في اجراء الاختبارات السرية ، ومتابعة السجون ، وبرامج لمنع الانتقال من الأم المصابة للطفل ، مع وضع السياسات والبرامج الخاصة بشبكات الحماية الاجتماعية ، وحماية الأسر الهشة والضعيفة ، ومكافحة الفقر ، والزامية التعليم والحد من التسرب ، ومعالجة البطالة ، والاهتمام بالصحة المدرسية والمتابعة الاجتماعية لكل الفئات العمرية من سن التعليم الأساسي إلى ما بعد الجامعي وما في حكمهم ، وعلى القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية توحيد السياسات الصحية والعمل بها ، والزام جميع المرافق الصحية العامة والخاصة مهما صغر حجمها أو وظيفتها إلى المستوى المرجعي والتأهيلي بتطبيق معايير جودة الخدمات الصحية ، ومكافحة العدوى ، وسلامة المرضى .

واذا تم تنفيذ ذلك كله بجدية مع تنسيق تام ومتكامل بين جميع القطاعات قد تتحول ليبيا من مهددة بارتفاع نسب العدوى إلى نموذج ناجح في الإقليم والعالم في الوقاية والتحكم ، ولهذا أدعوا كل جهات الاختصاص المعنية تبني مشروع وطني للانتقال من ردة الفعل إلى الفعل الاستباقي ، ومن العلاج المتأخر إلى الوقاية الاستباقية ..

وضرورة إعادة بناء النظام الصحي الموحد القوى المرن والفعال والمنصف للحفاظ على صحة المجتمع وتحسينها له .

د.علي المبروك أبوقرين

شاهد أيضاً

عبدالسلام الغرياني

الذكاء الاصطناعي وقولبة العقل البشري

عبدالسلام الغرياني نشرت مجلة “ذا نيويوركر” في عددها هذا الاسبوع مقالاً تحليلياً كشفت فيه عن …