منصة الصباح
أفول الإمبراطورية العلمية: كيف تدفع أمريكا ثمن تسييس العِلم؟

أفول الإمبراطورية العلمية: كيف تدفع أمريكا ثمن تسييس العِلم؟

ترجمة عبدالسلام الغرياني/ عن مجلة Atlantic

في تحليله الجريء بعنوان “كل إمبراطورية علمية تنتهي”، يرسم الكاتب روس أندرسن صورةً قاتمةً لمستقبل الهيمنة التكنولوجية الأمريكية. فبينما كانت الولايات المتحدة حصنَ الاكتشافات العلمية طوال القرن العشرين، تشير اليوم مؤشراتٌ خطيرة إلى أن ريادتها تتهاوى تحت وطأة الأيديولوجيا والسياسة قصيرة النظر.

أشباح التاريخ تعود: من ستالين إلى ترامب
يستحضر المقال تجربةَ الاتحاد السوفيتي المؤلمة مع “تروفيـم ليسينكو”، العالم الذي حوَّل البيولوجيا إلى أداةٍ للدعاية الستالينية. فكما قُمع علم الوراثة ليوافق الأوهام الأيديولوجية، تشهد أمريكا اليوم تطهيراً صامتاً لعلمائها. ففي عهد ترامب، تحولت وكالات مثل “الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي” (NOAA) وهيئة المسح الجيولوجي إلى ساحات صراع، حيث أُجبر باحثو المناخ على إخفاء البيانات أو فقدان مناصبهم، فيما تحولت علوم الأرض إلى سلعةٍ تبتاعها البنوك الكبرى مثل “جيه بي مورجان تشيس”.

تشريح الانهيار: ثلاث ضربات قاضية
تجفيف منابع المعرفة: اقترحت إدارة ترامب خفض تمويل أبحاث المناخ في NOAA بنسبة 17%، مما عطَّل أنظمة إنذار مبكر للفيضانات والجفاف، ودفع بكبار العلماء إلى الهجرة.

تفكيك البنية التحتية: توقفت برامج الأقمار الصناعية الحيوية – التي كانت ترصد انقراض الغابات وتشخص أمراض المحاصيل وتكشف التجارب النووية – ليحل مكانها صمتٌ فضائي.

هروب العقول: لم تتردد دول مثل الصين وألمانيا في استغلال الفرصة، فأنشأت “ملاذات علمية” تجتذب الباحثين الأمريكيين المحبطين، في هجرةٍ تذكرنا بنزيف العقول الأوروبية إبان صعود النازية.

الصين تراقب.. وتستعد
بينما تدفن أمريكا رأسها في رمال الأيديولوجيا، تُظهر الصين براغماتيةً لافتة. فبينما كان البيت الأبيض يربط عقود الذكاء الاصطناعي بـ”القيم الأمريكية” ويحظر ما يسميه “الذكاء الاصطناعي المستيقظ” (Woke AI)، كانت بكين تُطلق نماذجَ مفتوحة المصدر مثل “DeepSeek-V3” بمواصفات تنافس “جيميني” و”كلاود” بجزءٍ بسيط من التكلفة. حتى خطة ترامب للذكاء الاصطناعي ركزت على تفكيك قوانين البيئة لبناء مراكز بيانات أسرع، وكأن السباق التكنولوجي يُربَح بتدمير الكوكب نفسه.

تداعيات الانهيار: من الزعامة إلى التبعية
تقارير “مركز التكنولوجيا الجيوسياسية” (GeoTech Centre) تحذر من تداعياتٍ بالغة:
– تراجعت حصة أمريكا من الإنفاق العالمي على البحث من 70% في السبعينيات إلى 30% اليوم.

– سيطرة الصين على 80% من إنتاج الخلايا الشمسية و60% من البطاريات الكهربائية.

– انهيار جودة التصنيع (كما في سجلات بوينغ وسيغ) بدأ يمتد إلى الابتكار، حيث تتفوق الصين في براءات اختراع الروبوتات والذكاء الاصطناعي.

خريطة النجاة: هل الوقت لم يفت؟
يقدم تقرير “Taking the Helm” من معهد CNAS خطةً للإنقاذ:
– رفع الإنفاق الفيدرالي على البحث إلى 2% من الناتج المحلي بحلول 2030.

– إنشاء “شبكة عاصمة بشرية” لاستعادة الكفاءات المهاجرة.

– لكن جوهر الحل – كما يؤكد أندرسن – يكمن في إحياء نموذج “معامل بيل” الذهبي، حيث ازدهر الابتكار بعيداً عن الخناق السياسي.

ناقوس الخطر: درس التاريخ المنسي
“عندما سُئل أينشتاين كيف سمح لأعظم علماء ألمانيا بالهروب من النازية، أجاب: لأنهم ظنوا أن العِلم يمكن أن ينقذ نفسه بنفسه”.

اليوم، كما في الثلاثينيات، تُظهر أمريكا أن الإمبراطوريات العلمية تسقط لا بسبب غزو خارجي، بل عندما تختار الأوهام الأيديولوجية على حساب الحقائق الصلبة. مستقبلها كقوة عظمى يرتهن بقدرتها على إعادة “تطهير معابد العلم” من أشباح السياسة، قبل أن تصبح دولةً تابعة في عصرٍ صنعته عقول هجرتها.

شاهد أيضاً

عبدالرزاق الداهش

ثانويات “فرح العيلة”!

عبد الرزاق الداهش مدارس التعليم الثانوي الخاصة مجرد سوبر ماركت لدرجات أعمال السنة، وكي لا …