بقلم /عبدالباري رشيد
- هل كان من الضروري ان تظل حنفيات الدماء مفتوحة طوال تسعة شهور من العدوان على العاصمة وضواحيها – حيث سقط اكثر من ثلاثة الآف ضحية - فضلاً عن سبعة آلاف أخرين أصيبوا بجراح متفاوتة – واكثر من 120 ألف مواطن أصبحوا نازحين في بلادهم – هل كان من الضروري حدوث كل تلك الجرائم في حق الليبيين وطوال 270يوماً – لكي تتحرك الأمم المتحدة ممثلة في أمينها العام السيد غوتيرش ، الذي طلع على العالم مؤخراً في كلمته أمام مؤتمر (برلين) ليقول بأن (مصداقية) المجتمع الدولي الذي تمثله منظمة الأمم المتحدة بهيئاتها ومجالسها المختلفة التي تتراوح مابين مجلس الأمن – ومجلس حقوق الأنسان والجمعية العامة - وبقية مفردات شؤون اللآجئين – والهجرة غير الشرعية والصحة العالمية – والغذاء العالمي ، أصبحت على المحك – وهي عبارة سمعها المراقبون اكثر من مرة كذلك على لسان المبعوث الأممي إلى ليبيا سلامة خلال اكثر من تصريح له وفي مناسبات عديدة ، وأزمنة مقاربة -حيث ذكر بأن مجلس الأمن اصبح (عقيماً) ، وقد جاءت تصريحاته تلك خلال زيارته للجزائر أوائل شهر نوفمبر الماضي حين ذكر صراحه بأن مجلس الامن وصل إلى حاله (العقم) بشأن الأزمة الليبية مستشهداً على ذلك بالعجز الذي يواجهه المجلس أمام ملفات دولية عديدة من بينها الملف الليبي ، والذي عجز المجلس بعد 14إجتماعاً له عن اتخاذ قرار حاسم بوقف العدوان ، وإقفال حنفيات الدماء ، وأشار سلامة في مناسبة أخرى ، وهي تحديداً خلال تصريحات له مع صحيفة (فاشينال تايمز) أوائل ديسمبر الماضي إلى وضعية مشابهه حين عبر عن مخاوفه من تصاعد الصراع المسلح وخسارة المزيد من الرواح في صفوف المدنيين نتيجة غياب الاجماع الدولي بشأن الملف الليبي في مجلس الأمن الذي أدى الى (فشل) المجلس في أصدار قرار يقضي بوقف العدوان منذ بداية الهجوم على العاصمة في ابريل الماضي ، وغيرها من التصريحات التي أشارت صراحة الى (خذلان) الأمم المتحدة لليبيين !! واستمرار الحالة الكارثية التي خلفها العدوان على العاصمة وضواحيها طوال ذلك الوقت ، وتأثيراته المادية والمعنوية والنفسية على المواطن الذي اصبح على قناعه تامة بأن الامم المتحدة قد (تخلت) عن ليبيا – وعن طموحات الليبيين في (الحرية) وتأسيس الدولة المدنية والتداول السلمي على السلطة ، وإجازة الدستور الدائم وغير ذلك من الطموحات التي اصبحت مستحيله في ظل العدوان وغياب الرادع الدولي – ولقد أكد على مثل تلك الحقائق مثلاً مندوب حكومة الوفاق لدى الامم المتحدة – الذي ذكر في إحدى جلسات مجلس الأمن أواخر شهر يوليو من العام الماضي بأن العدوان على العاصمة ماكان ليستمر لو جرى مواجهته بقرارات ( حاسمة ) من مجلس الامن !!- فالمجلس المذكور لديه صلاحيات كاملة بإعتباره أعلى سلطة في الأمم المتحدة – في ضبط الأمن والسلم الدوليّين ، وهو مخّول بإرسال قوات للفصل بين المتنازعين سواء على صعيد عدة دول – أو داخل الدولة الواحدة .. بحيث يحفظ دماء المدنيين ويطفىء نار الحرب وغيرها من الترتيبات المنصوص عليها في ميثاق تأسيس الأمم المتحدة – ذاتها – فهي تحسب ميثاق (سان فرانسيسكو) ملتزمة بحماية حقوق الانسان – وردع العدوان – والفصل بين المتحاربيين وغير ذلك من الإجراءات المنصوص عليها في ابواب الميثاق المختلفة – واذا كان مندوب ليبيا قد أوضح قصور مجلس الامن في الجلسة المشار إليها أي قبل خمسة شهور ، فإن المندوب الجديد لحكومة الوفاق وعند تقديم اوراق اعتماده للأمين العام السيد ( غوتيرس) يوم 6يناير الجاري أكد بدوره على ضرورة وأهمية العمل بجدية من جانب المنتظم الأممي للخروج من الازمة الراهنة التي تعيشها ليبيا جراء العدوان القائم على العاصمة وضواحيها منذ اكثر من تسعة شهور ، وشدد المندوب الليبي امام الامين العام على أن سيادة ليبيا ووحدة أراضيها ( لاتنازل) عنهما مهما كان حجم العدوان والتدخلات السلبية لبعض الدول وطالب ايضاً من الامم المتحدة بأن لاتكتفي ببيانات ( التنديد) والاستنكار امام معاناة الليبين من القتل والتهجير والنزوح – ومساواة المعتدي بالمعتدي عليه ، وبضرورة ان تعمل الامم المتحدة على إيجاد توافق دولي لوقف العدوان ، واحترام إرادة الليبيين وحقهم في تقرير المصير حتى تتوفر الظروف المناسبة لتحقيق السلام والمصالحة الوطنية الشاملة ،
-فالصورة كانت واضحة تماماً امام المجتمع الدولي – والامين العام للامم المتحدة هذا بداية العدوان قبل تسعة شهور ، الأمر الذي دفع بالمراقبين الى التساؤل عن أسباب كل ذلك التأخير الذي دفع ثمنه الليبيون دماً ودموعاً وعذابات نفسية ونزوح ودمار مساكنهم والبنية التحتية وغير ذلك من التأثيرات الموثقة من طرف منظمات إنسانية دولية – واليوم وبعد شهور الموت الطويلة يلاحظ نفس المراقبين « صحوة » دولية جاءت متأخرة كما ذكرنا. بحيث عايش العالم « مخرجات»مؤتمر برلين « والذي التئم يوم 19 يناير الجاري بعد مخاض عسير – منذ بداية فكرة المؤتمر من شهر اغسطس من العام الماضي حين اقترحت المانيا وعلى هامش قمة البلدان المصنعة السبعة الاكثر غناً في العالم الملتئمة في فرنسا في حينه ، عقد مؤتمر حول الملف الليبي ، وتواصلت المشاورات بشأنه طوال اربعة شهور مابين اجتماعات تحضيرية سواء على صعيد الانعقاد العادي للجمعية العامة للامم المتحدة في سبتمبر الماضي فيما عرف في حينه باجتماع العشرة نسبة الى الدول العشرة التي شاركت فيه – او على صعيد المانيا ذاتها التى احتضنت لقاءات تحضيرية اخرى واستقر الأمر على قمة « برلين » التي تأخرت هى الاخرى بحيث سقط العديد من الضحايا باجراء تصعيد الحرب على العاصمة وضواحيها – وارتكبت المجازر التي طالت مثلاً طلبة الكلية العسكرية وهي المجزرة التي راح صحيتها33 شهيداً ، فضلاً عن 33 آخرين اصيبوا بجروح متفاوتة ، وغيرها من جرائم الحرب التي جرت « توثيقاً » من طرف اللجنة المختصة التابعة للامم المتحدة .
واليوم وبعد قمة « برلين » ومخرجاتها فإن انظار العالم مشدودة تُراقب مدى إلتزام الامم المتحدة – وتحديداً أمينها العام الذي جدد دعوته لجميع المنخرطين في الملف الليبي بشكل مباشر وغير مباشر للقيام بكل شئ من اجل دعم وقف فعلي للاعمال العدائية واسكات « البنادق حيث تعهد » في كلمته امام القمة – بتعزيز ترتيبات « وقف » إطلاق النار وحث كدل جميع الأطراف الليبية على المشاركة وبحسن نية في الحوار حول القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية في إطار عملية شاملة يقودها الليبيون – في اشارة منه الى ماتضمنه البيان الختامي لقمة « برلين» من ترتيبات بخصوص الحوار الليبي المرتقب في جنيف أو يناير الجاري .