الحكواتي الأخير
محمد الهادي الجزيري
لا أتعظّ أبدا ..، أتجنّب ما يصدره من كتب كي لا أقع في فخاخه الكثيرة، وأحيانا أنسى أو أتناسى الأمر ..، وأطلب جديده إذ أراه على شاشات التواصل الاجتماعي ..، فيحصل ما أخشاه ..، أجد نفسي وسط بحر شاسع وغارق ومائج ولا منفذ لي منه ..، وأجدني بين أفكاره الهادرة وذكرياته الحيّة النابضة ..وخاصة أجدني في حضرة مولاتي وأيقونته بغداد ..، إنّه الأستاذ عبد الرزاق الربيعي ..، توّرطت فيه هذه المرّة وطلبت كتابه الجديد : الحكواتي الأخير ـ عبد الكريم برشيد ، ودخلت متاهة لا منفذ فيها سوى قراءة ما جاء فيها ..وإنّي قارئ وعائد كما أراد الكاتب إلى بغداد منتصف الثمانينات ..، حيث أجرى حوارا أوّلا مع الدكتور عبد الكريم برشيد ..الشخصية الثقافية التي يحوم حولها هذا الكتاب …
قسّم المؤلف هذا الكتاب إلى ثلاث حكايات ، الأولى سمّاها ب ” حكايتي مع د. عبد الكريم برشيد ” تعرّض خلالها إلى ذكرياته مع الشخصية المحتفى بها وقصّ لنا كيف توطّدت علاقتهما من حوار أوّل في بغداد إلى مشاركات أخرى في مسقط عام 2006 وخاصة حين توفّرت الفرصة في مشاركتهما في مسابقة الشيخ راشد الشرقي في لجنة واحدة ..، ويلّخص الكتاب بأنّه محاولة ” أن نمضي في رحلة مع فكره المسرحي، عبر حوار مفتوح لإلقاء الضوء على تجربته الغنية ” …
أمّا القسم الثاني فاسْمُهُ الحكاية الثانية ، وهو معرّف للدكتور عبد الكريم برشيد، فنقرأ عنه كلّ ما يمت له بصلة : بطاقة تعريف ـ مولده ونشأته ودراسته ـ مساره المهني والمسرحي ـ نصوصه المسرحية ـ كتاباته للإذاعة والتلفزيون ـ جهوده في الإخراج المسرحي ـ مشروعه الفكري ـ كتاباته الفكرية ـ كَتَبَ سيرة ذاتية ـ عبد الكريم برشيد في عيون النقاد ..، ونقدّم لقراء أثير فقرة سنعدّد السّيرَ الذاتية التي كتبها الدكتور المحتفى به :
” ـ غابة الإشارات سنة 2000 ، وفيها حديث عن طفل يكتشف العالم ….إلخ
ـ اعترافات الحكواتي الجديد سنة 2014 ، وتطرّق خلالها إلى أسئلة وقضايا عاشها الكاتب ..إلخ
ـ أنا الذي رأيت ، وفيها حديث عن كاتب عاشق للمعرفة ..إلخ
ـ عبد الكريم برشيد وخطاب البوح ، وهي عبارة عن حوار في كتاب، أنجزه الأستاذ عبد السلام لحيابي وهو محاولة لطرح أسئلة استفزازية حول أهمّ القضايا الشائكة التي صادفت الكاتب في حياته ..إلخ
ـ عبد الكريم برشيد على كرسي الاعتراف ..، وهو كتاب جاهز للطبع ..
وظلّ القسم الثالث وهو بعنوان : عبد الكريم برشيد ، أسئلة ومسائل ..، وهو حوار مطوّل للمحتفى به وفيه دخول في متاهات وغياهب فكره وجواب عن معنى الاحتفالية ، وفي هذا الإطار يقول ولو باختصار :
” هي ثورة ثقافية إذن، لا أقلّ ولا أكثر، وهي ثورة عاقلة ومسؤولة، ثورة على حمق الواقع والوقائع، وهي تهدف إلى تجديد القديم، وإلى إنطاق الصامت، وإلى تحريك الساكن، وإلى استحضار الغائب، وإلى استرجاع الماضي بشكل أجمل، وإلى توضيح الغامض، وإلى تصحيح الخاطئ، وإلى إحياء ما يستحقّ الحياة من الأفكار ومن القناعات المختلفة …”
بماذا أختم هذا المتن المتدفّق كنهر جموح، لعلّي سأهرع لكلمة لعبد الكريم برشيد، افتتح بها الأستاذ عبد الرزاق الربيعي هذا الكتاب ، وهي تخصّ الكتابة وما أدراك ما الكتابة، وما قاله فيها وعنها الدكتور المحتفى به ..، إذ إنّ الاختتام بمثل هذه الكلمات الداعية للحياة والعشق والتواضع أمام الكلمة ..لا شكّ إنّه افتتاح دائم متّصل ..أبديّ :
” ما أسعدني أن أجد نفسي أتمدّد بالكتابة وفيها، وأن أتجدّد بالكتابة وفيها، وأن أستمتع بالكتابة وفيها، وأن أكتب للناس رسائل عشق، وأن أكون أنا هو ساعي البريد الذي يوصلها لهم، ولهذا فإنّني لا أستطيع أن أتخيّل مقدار فقري وبؤسي وحزني في الحياة، لو أنّني عشت بغير الكتابة ”
هذا إذن إصدار جديد للأستاذ عبد الرزاق الربيعي ، ونصافح فيه قامة من قامات المسرح العربي ..قضى طول حياته كاتبا للمسرح ومخرجا ومنظرا له وعنه ، صاحب رؤية وموقف ..إنّه الدكتور عبد الكريم برشيد…