منصة الصباح

اسمعوا وعوا !!!

علي المقرحي

 

 

حين يحاول أحدنا ( ليطامن ما ينتابه من ارتعاب تجاه أمر ما ، أو ليرضي فضوله  ) تحصيل فكرة حول ذلك الأمر ، بأمل أن يبلغ المعنى الذي لا بد لذلك الأمر من أن يكون منطوياً عليه ، فقد لا يجد امامه من سبيل إلّا أن يمد بصره في إتجاه أو اتجاهات لم تكن تحظى منه قبلاً إلّا بالتفاتات مقتضبة وغير مركزة أحياناً .

وحول شاغلنا الراهن ، فالغالب على كثيرين من بيننا كبشر ، وربما علينا كلنا ألا ننشغل بموضوع الصحة ، ولا نوليها اهتماماً جدياً إلا إذا واجهت تهديداً من حادث أو مرض ما ( وقا الله كل حي )  ، سواء كانت صحة المرء الخاصة أو صحة شخص تربطه به آصرة ما بغض النظر عن درجة وثوق تلك الآصرة وقوتها ، لا بل أن الإنسان ينزعج لرؤية حيوان متأذِ ( وليس هذا مجال للخوض في دواعي ذلك التأثر أو للبحث عن تفسير له ) سواء رهافة الحس ورقة الشعور ، أو حضارية الموقف وتساميه ، أو غير ذلك ، ولكن يظل مدى التأثر والانشعال رهنا بالمسافة بين ذات الانسان وبين الأذى وأسبابه فكلما ضاقت تلك المسافة تفاقم الخوف حتى لقد يغدو حالة مرضية أو ( فوبيا ) كفيلة بحد ذاتها بتحويل الأذى إلى هاجس ( وسواس ) يفاقم المرض إن وُجد أو يربك جهود الجسد والمنظومة المناعية لصده ومقاومته والقضاء عليه ، ذلك أن للعوامل النفسية من حيث نضج وتكامل قوى النفس وقدراتها من عدمه ، وللعوامل الروحية أيضاً من إيمان بالخالق تعالى والثقة بعلمه وقدرته دور جوهري في مواجهة وصد كل أذىً يصيب الإنسان ويحول بينه والوصول إلى غاياته التدميرية  ، ذلك أن للإيمان دور أساسي في تحقيق قرب إلانسان من فطرته وفي تماسّه مع سنن الوجود والحياة ، وهي السنن التي تتيح له إذا استوعبها أن يقع على أنجع العلاجات لما يعترضه من معوقات ومنغصات تمس كيانه بكليته أو بأي من مكوناته ، وعند النظر إلى ما هو حادث راهناً من تهديد هذا الوباء المستحدث والمتطور من حيث آثاره التدميرية ( ولا فارق بين أن يكون تطور طبيعياً ووفق ما يعرف بطفرة نشوئية أو اصطناعاً وبتدخل بشري ) ، والذي يبدو أشبه بسيف ديموقليس الاسطوري المسلط على رقاب البشر ، فإن الغموض الذي يكتنف هذا الوباء ليس بالنسبة إلى الانسان العادي وإنما كذلك للمتخصصين في شؤون الصحة وخبراء الأمراض وأسبابها والأطباء وعلماء البيئة والوراثة وكل من لتخصصه صلة بهذه الجائحة ، وما يشكله من تهديد  مكتنف هو الآخر بالغموض والإلغاز ، حد أن يبدو من هذه الزاوية أشبه بغيلان  الأساطير ، وما نشهده من تفاعلات ومواقف  من جهات رسمية ومن حكومات ورؤساء دول ومؤسسات وهيئات دولية على امتداد رقعة الكرة الارضية ، فإن ما يدعو إلى التعجب والاستغراب إن يرى المرء أناساً لا يبدون أدنى قدر من الاهتمام  ولا يتحلون بما يفترض من الحذر والحرص ، وكأنما ما يحدث إنما يحدث في جانب آخر من الكون ، فيما لايفصله عنهم أحيانا مدى ( عطاس أو سعال ) شخص  يصادف أن يعبر قريباً من أي منهم ، ولا يبدو أمر هؤلاء مفهوماً ولا مفسراً ، ولا يمكن القطع بأنه توكل وقدرية متأتيان عن الجهل بحقيقة التوكل والقدر وما يعنيانه وعن الجهل بصلتهما بالايمان الحق هو ما تجيء عنه تلك السلوكيات ، أم أنه تبلد وحماقة وعبثية لا عقل فيها .

وبمقابل أولئك ثمة من يبالغ في الحرص والحذر والتحصن حتى ليكاد يقطع صلته بنفسه لفرط ما يكدس بينه وبينها من هواجس ومخاوف وارتعاب خشية العدوى ( وقا الله كل الناس منها ) ، كلتا الفئتين محبِطة ومثبِطة لأي أمل في أن يحظى المرء بما يطامن خوفه ويرضي فضوله ( ، وحبذا ألّا يكون المرء منضوياً تحت أي منهما  )  فكلهم عقبات في سبيل من يحتاج الطمأنينة ويسعى إالى فهم ما يدور حوله وفي عالمه .

وبمعزل عن هؤلاء وأولئك جميعاً ، يبقى الأمل في الحكماء الحقيقيين ( لا من يسميهم الاعلام المجتر حكماءً )

الأمل معقود بنواصي الذين يصلون النهار بالليل والليل بالنهار في مواجهة هذا الوباء ، مقارعين

الفيروس المرعب في أجساد المرضى وفي معامل التحليل ومختبرات البحث ، إنهم الاطباء والممرضين والباحثين في شؤون الصحة والوقاية فرسان العلم ورسل الأمان والطمأنينة ( من النساء والرجال ) ، الذين يواصلون ” لحساب وجود وكرامة سبعة مليارات ونصف من البشر  ” تأكيد آدمية الإنسان وأهليته لما خلقه الله من أجله أي الخلافة في الأرض .

فوحدهم الذين يقارعون هذه الجائحة يستحقون الإكبار والتكريم ، حتى وإن قَصَرَ البخيل من بيننا ذلك على سماع ما يقولونه ويوصون به ويدعون إليه ، وعلى التقيد به والسير بمقتضاه. .

فتحية مستحقة لمن يقارعون العدم دوننا ، الذين لا يكرمهم إلا كريم ولا يقصر في حقهم إلّا لئيم  . وقاهم الله ( من أية ملة كانوا ) من كل سوء وحفظهم  .

 

شاهد أيضاً

النائب العام: حبس مسؤولين في مصرف الوفاء بتهم كسب غير مشروع

الصباح أصدرت النيابة العامة قرارًا بحبس مسؤولي إدارات المخاطر والعمليات المصرفية والمراجعة الداخلية في مصرف …