الصباح – وكالات
اعتبرت المنسقة بمعهد ليبيا للتحليل ريحانون سميث، إن توقيت استقالة غسان سلامة يعكس حقيقة أن مبادرة برلين قد فشلت إلى حد كبير، إذ لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والمفاوضات بين الليبيين متوقفة، وحفتر يمنع صادرات النفط.
وقالت « سميت « في مقال نشرته في صحيفة لبيراسيون الفرنسية إنه رغم الجهود التي بذلها سلامة لإشراك جميع الأطراف، إلا أن الثقة بين الليبيين والأمم المتحدة عموما، وبينهم وبين غسان سلامة على وجه الخصوص، قد تراجعت مع تدهور الوضع على الأرض.
بدوره قالت كلوديا جازيني من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات والتي كانت مستشارة سياسية له خلال ستة أشهر، إن سلامة عانى مشاكل صحية لفترة طويلة ولكنه كان عازما على مواصلة ولايته حتى وصل إلى الحد الأدنى من التقارب الدولي بشأن ليبيا.
من جانبها قالت صحيفة “القدس العربي” إن استقالة غسان سلامة من منصبه كمبعوث خاص للأمين العام في ليبيا لم تأت مفاجأة، بل المفاجأة أنه تحمل كل هذا الإحباط والضغط والنقد والخداع الذي مارسته أطراف النزاع وداعموها من جهة وعدم جدية مجلس الأمن في الالتزام بقراراته من جهة أخرى.
ووفق مكتب “القدس العربي” في مقر المنظمة الدولية في نيويورك، فإن جملة الاتصالات واللقاءات التي تمت داخل الأمم المتحدة وخارجها تبين أن أسباب الاستقالة ليس لها علاقة بصحة سلامة بل هي نابعة من حالة الإحباط التي وصل إليها بعد سنتين وثمانية أشهر من هذه المهمة الصعبة والتي أحرقت خمسة مبعوثين قبله. فغسان القادم إلى المنصب من خلفية أكاديمية ودبلوماسية وخبرة أمم متحدة في العراق وميانمار كان الأكثر تأهلا للمنصب والأوسع معرفة بالشان الليبي. فإذا كان سلامة قد وصل به الإحباط إلى أن يقفز من السفينة قبل غرقها فلا نعتقد أن أحدا سيأتي إلى المنصب بعصا سحرية.
ويبدو أن الأمور مرشحة لمزيد من المواجهات وقد تشهد طرابلس والمناطق الغربية تصعيدا عسكريا غير مسبوق ينفذه خليفة حفتر والقوات التي يقودها.
وحسب الصحيفة فإن هناك ثلاثة أمور أوصلت غسان سلامة إلى هذا المستوى من الإحباط والحنق بحيث لم يجد أمامه فسحة من أمل يتعلق بها فقدم استقالته غير آسف.
وعجز مجلس الأمن عن دعم المبعوث سلامة بشكل جاد، والذي كان قد خاطبه الرجل أكثر من مرة وطالب أعضاءه بتحمل مسؤولياتهم أمام هذا الوضع وخاصة بعد اعتماد القرار 2510 يوم 12 فبراير الماضي.
ويقول غسان سلامة “إن المنطق يقول إنه عندما يتخذ مجلس الأمن الدولي أي قرار فإن الهدف منه هو تنفيذه وليس مجرد اتخاذه. الآن، أنا رجل واقعي وأعلم أن عدداً لا بأس به من قرارات مجلس الأمن تأخذ حيزها إلى التنفيذ، ولكن ليس هناك من ضمانة مطلقة تقول بأن كل قرار يصدر عن مجلس الأمن يلقى تنفيذا في اليوم التالي. هذا أمر ليس صحيحا، وكلنا نعلم ذلك. لكن هنالك قدراً من الأمل موجود بأن مقررات مؤتمر برلين التي ترجمت الآن إلى قرار من مجلس الأمن تعطي صورة عن قدر من التوافق الدولي على انهاء المأساة الليبية. هل سيتم ذلك بين ليلة وضحاها، بألتأكيد لا”. ؟
وقال إن مجلس الأمن يقدم له الدعم لكن هل هذا الدعم كاف؟ الجواب لا. فبعض الدول التي تصوت مع قرارات مجلس الأمن تقوم نفسها بخرق تلك القرارات.
وقالت الصحيفة إن الخلافات بين الأطراف الليبية عميقة جدا بحيث لم يعد بالإمكان ردمها بسهولة. فقرار وقف إطلاق النار الذي وقع في موسكو يوم 12 يناير لم يحترم خاصة أن حفتر رفض توقيعه. ووثيقة برلين يوم 19يناير والتي تحولت إلى قرار مجلس أمن (2510) والتي ركزت على الالتزام بحظر توريد السلاح لم تحترم أيضا واستمرت شحنات السلاح الجديد والحديث يصل إلى الأطراف وبشكل متواصل. كما أن قوات حفتر ما فتئت تقصف الأهداف المدنية مثل الميناء البحري والمطارات والمناطق السكنية. فكيف يمكن لغسان سلامة أن يتعامل مع طرفي النزاع بنفس المسطرة عندما يقوم أحدهما بقصف الميناء والمنشأت والمطارات والأسواق والنوادي والأحياء السكنية؟ وإذا كان غسان من الشجاعة أن يدين الجريمة دون ذكر المجرم فهذا يعتبر جبنا وتخاذلا من وجهة نظر الطرف الآخر الذي يتهم المبعوث الخاص بأنه غير حيادي عندما يتحدث فقط عن الجريمة متعاميا عن المجرم.
ويعرف غسان سلامة أن اللاعبين الإقليميين أصبحوا أكثر تصميما وجرأة على تعديل موازين القوى لصالح الحليف ، فهناك أسلحة حديثة وصلت لقوات حفتر استُخدم بعضها في قصف الميناء البحري.
كما أن هناك مرتزقة بدأوا يصلون وهناك أطراف يبدو أنها تريد أن تستغل انشغال تركيا في شمال غرب سوريا لتدعم خليفة حفتر على أمل حسم المعركة. فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق، كان يراهن على تعديل موازين القوى بالتحالف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقد نكتشف سريعا أن التصعيد ضد القوات التركية في شمال سوريا له علاقة بما يجري في طرابلس خاصة وأن الإمارات الداعم الأساسي للتدخل الروسي في سوريا والتدخل الروسي لصالح حفتر في ليبيا. وهذا ما أشار إليه سلامة بشكل غير مباشر في مؤتمره الصحافي في جنيف بعد فشل اللقاء السياسي الليبي عندما قال “هناك علاقة ما بين ما يجري في سوريا وما يجري في ليبيا”.
أمام هذه الصورة القاتمة، هل يلام غسان سلامة إذا قدم استقالته ونجا بنفسه قبل أن يشهد الوضع الليبي منازلة كبرى قد يذهب ضحيتها آلاف المدنيين في طرابلس وضواحيها التي تضم ثلث سكان ليبيا؟.
الوسومغسان سلامة
شاهد أيضاً
كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي
خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …