منصة الصباح

” الصفلسة ” الهجين بين الصحافة والفلسفة

ابولقاسم صميدة

اعرف ان مصطلح “الصفلسة “هو تعبير جديد لم يستخدمه احد قبل ان اكتبه كنقحرة او نحت لكلمتى الصحافة والفلسفة ، فوجدت ان افضل مقاربة تجمع الكلمتين هى “الصفلسة او الصحلفة ” وبذا نقدم للقراء فى الوطن العربى هذه المقاربةالجديدة من خلال كلمة ” الصفلسة” لننسج علاقة مقبولة بين علمى الفلسفة والصحافة مثلما ان مصطلح ” الهندرة ” هو مزج للعلاقة بين الهندسة والإدارة ، ولنبدأ بالسؤال المهم ؛ ماهى العلاقة بين الصحافة والفلسفة ؟ وللاجابة عن هذا السؤال لابد ان نجد تعريف واضح للصحافة وتعريف للفلسفة لعلنا نجد نقاط التقاء تجمع ” الصفلسة “الوليد اللغوى الجديد فتربطه بعقال فكرى يجمع بين الحصان الجامح الصحافة والجمل الهادى وهو الفلسفة ، مع ان الطبيعة نادرا ما تجمع الحصان والجمل الا فى الترحال والمعارك ، فتاريخ الحروب هو تاريخ الخيول والإبل وسنحاول ايجاد رابط بين الحصان والجمل ، بين الصحافة والفلسفة ولأن الفلسفة كانت سابقة للصحافة فى التداول والمعرفة فإنه من المهم التذكير بأن العالم قريبا سيحتفل بالقرن الثالث لذكرى ابو علم الفلسفة الشهير الفيلسوف الالمانى ” كانط ” فيلسوف التنوير الذى نقل الفكر الفلسفى الغربى الى آفاق بعيدة وقدم للعقل الانسانى هو والألمانى الآخر ” هيجل” قدما طبق من افكار متنوعه ساعدت العالم على فهم نفسه ، وتلك خصلة الفلسفة التى اشتركت فيها شعوب العالم فقد قدم الاغريق ” معجزتهم الفلسفية من خلال ” افلاطون وسقراط وارسطو ” وطاليس وابى قراط ، مثلما كان للصينيين كونفسيوش وللبابليين حامورابي ، وغيرهم وقدم العرب منتجهم الفلسفى من خلال الفارابى وابن سينا وابن رشد وابن النفيس وابن الهيثم وابن باجة وابن طفيل والكندى والغزالى وابن عربي وغيرهم ، وقدم الروس منتجهم الفلسفى عبر باكونين وتولستوي وسولوفيف وكارل ماركس ، وقدم الفرنسيون مساهمتهم من خلال جان بول سارتر وجان جاك روسو ، وجاك دريدا وسان سيمون وفولتير ومونتسيكو ، وقدم الطليان نتاجهم عبر كوجيف وجاليليو وجوردانو برونو وجرامشي ،وشعوب كثيرة قدمت عقولها للعالم مثل انجلز وشوبنهاور وبيكون ونيتشة وجورج أوريل وراسل وجون لوك وسبينوزا وميكيافيلى الخ فعالم الأفكار يتسع للعقول مهما كانت بسيطة او معقدة والفلسفة جمعت البساطة والتعقيد ،
وعلى هذا النحو تحتفل الشعوب المتحضر ة بعباقرتها وتفتخر بهم
بينما يموت مبدعو ليبيا مرضا وفقرا واهمالا ، واذا كان “كانط” هو الفيلسوف الأكبر للأنوار، كما يطلقون عليه لانه نوَّر أوروبا والجنس البشري كله عندما أسهم في تغليب العقل على النقل، والفلسفة المستنيرة على ظلمات محاكم التفتيش والعقلية الخرافية. ولا تزال أفكاره تهمنا حتى اللحظة: كالبحث عن السلام الدائم بين الأمم، وكبلورة قيم أخلاقية كونية تنطبق على جميع شعوب الأرض،
لكن الحديث عن الفلسفة لابد من ان يشمل ابوعلم الفلسفة الحديثة الفرنسة ” رينيه ديكارت ” الشخصية الرئيسية لمذهب العقلانية في القرن السابع عشر الميلادي، وديكارت هو صاحب المقولة الشهيرة ( أنا أفكر، إذًا أنا موجود) ، وبالعودة لمصطلحنا الجديد “الصفلسة ” فالصحافة بدأت فى ايطاليا بصحيفة قليلة الاوراق تسمى ” الغازتة ” عام 1956م بالبندقية ،وكانت تسمى جورنال بلغتهم حتى ان من يعمل صحفى فى مصر يسمى جورنالجي وقد أطلق العرب لفظ الغازته على الصحف، في أوائل عهدها، تقليداً للأوروبيين؛ وعربيا أنشأ خليل الخوري، عام 1858، جريدة “حديقة الأخبار” في بيروت أطلق عليها اللفظ الفرنسي “جورنال”. والصحافة تعريفها هى عملية جمع ومتابعة وتحليل الاخبار والأحداث والآراء والتحقق من مصداقيتها عبر الاجابة على عناصر الخبر وهى: اين ومتى وكيف ولماذا ؟ ثم تقديم التحليل والخلفية لمساعدة القارىء فى فهم الامور ، وغالبا ما تكون هذه الأخبار متعلقة بمستجدات الأحداث السياسية والاجتماعية والرياضية والصحية وغيرها، وبطريقة سهلة ومباشرة وسريعة وبكلمات قليلة ، بينما تعتمد الفلسفة على الإسهاب والإطالة والتعمق والمرجعيات والمقدمات لتخلص الى النتائج على عكس الصحافة المقتضبة .

ولكن ما علاقة الصحافة بالفلسفة التى اطلقنا عليها ” الصفلسة؟،
فالفلسفة هى فرع من فروع المعرفة والتي تعني حرفيًا «حب الحكمة» وقيل ان من صاغَ مصطلحُ فيلسوف (محب الحكمة هو الفيلسوف وعالم الرياضيات “فيثاغورس” فى القرن الخامس قبل الميلاد أى حوالى 2500عام مضى ، وتشمل الأساليب الفلسفية الاستجواب والمناقشة النقدية والحجة المنطقية والعرض المنهجي.وتشمل الأسئلة الفلسفية الكلاسيكية: هل من الممكن معرفة أي شيء وإثباته؟ وما هو الأكثر واقعية؟ ويطرح الفلاسفة كل تلك الأسئلة التى ربما تدور فى عقل الانسان الذى خلقه الله واعطاه عقل يفكر به وادراك وفطرة سليمة تميز بين الخير النافع والشر المؤذى ، فالفلسفة هى المعرفة التى تستكشف الأسئلة الصعبة حول الوجود والكون والطبيعة والسيرورة والكينونة والحتمية والواقع والأخلاق ، وعلم الفلسفة فيه طرح الأسئلة الكبيرة والتى تحتاج الى دراسة ووقت وتفكير وتستدعى مقارنات ومقاربات ، وهكذا فبينما تحتاج الفلسفة للوقت لا تحتاج الصحافة للوقت لان عملها يعتمد على السرعة والعجلة والتحديث وهنا نجد اول تناقض بين الصحافة والفلسفة فالناس تريد الخبر المستعجل الحديث القصير المباشر وهذا ما تقوم به الصحافة بينما يتطلب العمل الفلسفى وقتا طويلا وتفسير كثير للوصول الى صورة مكتملة عن الفكرة او الموضوع على عكس الحدث او الخبر الصحفى وهنا يفترق الحصان عن الجمل وتفترق الصحافة عن الفلسفة وتختلفان فالزمن ليس فى صالح العمل الصحفى لكنه بجانب الفلسفة ولأن الصحافة عمل جماعى يشترك فيه العديد من الأفراد فإن الفلسفة عمل فردى لا يعبر الا عن كاتبه وهنا يزداد التباعد بين الحصان والجمل ، ولكن لأن الهدف الأسمى للصحافة وللفلسفة هو الوصول الى عقل القارىء وتقديم وجبة معرفية مهمة له فهنا تشترك الفلسفة والصحافة فى الهدف وتتقارب المسارات رغم اختلاف السرعات

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …