إيناس حميد
الساعة العاشرة … المكان مكتظ بالمركبات ومواقف مخصصة وأخرى مفتوحة للعامة وأكوام من البشر مندفعة باتجاه البنايات المطلة على الساحة … مدعون ومدعى عليهم، متهمون يواجهون القانون و مدانون يواجهون مصيرهم، ضحايا وأبرياء، رجال أمن ووكلاء نيابة، محامون وقضاة .. تلاحقهم القصص والحكايات .. بشكاوى متكررة وأخرى غريبة… تتشابه في المسميات وتختلف في التفاصيل.. تلتقي في المبادئ وتتعارض في النتائج والمخرجات…
الساعة الحادية عشر ….لازال الوقت مبكراً لكن المبنى المقابل حيث دلفنا صار يعج بالزوار… وجوه تتشارك التجهم وتتقاسم القلق والحيرة .. بين مارٍ وواقف وسط الممرات المفضية لغرف تتقاطع فيها الوظائف والأدوار من أقصى اليمين لأقصى اليسار …
على أحد السيسان يستند صف من كراسي حديدية متلاصقة تميل حيث يميل ميزان الجالسين ترفع بعضهم وتطيح بالبعض الآخر .. لا تشبه بأي حال ميزان العدل المنقوش على الواجهة ..
جلست بعد أن فرغ كرسي قبل أن يمر ركب متلاحق من نزلاء إحدى السجون جلبهم رجال المؤسسة الشرطية المدججون بالأسلحة … حليقي الرؤوس بزي موحد وقصص متفرقة … تلاحقهم أعين المصطفين أحباب وأغراب وخصوم …
الوقت تجاوز منتصف النهار والحركة لا زالت تدب في المكان …الجميع يحمل الأوراق والملفات …من تفتح له الأبواب ويملك زمام الأمور ويوجهها.. ومن ينتظر على حوافها وأمره بيد الجميع بدء من المحضر ورجل الأمن وصولا للخصم وما بينهم ممن أوكلت لهم مهام إدارة أحوال الناس… بعضهم يعد ويحضر القضايا والبعض الأخر يدرسها ويتفاعل معها .. هناك من يحيل وهناك من يعطل … هناك من يشتكي وهناك من اشتكوا عليه.. يفترق الأخوة خصوم ويعود الخصوم أخوة .. تنجلي الحقيقة هنا ويتأخر جلائها هناك، تتنازع الحقوق وتتشابك المصالح ..
الجلسات تدور والتحقيقات جارية وما بين الأمل والرجاء يتسرب اليأس للنفوس ويخيب التوقع .. وحتى تقضى حاجاتك عليك بالصبر والركون وتبادل الحكايات بالهمس والوشوشة… وسط كم الضجيج الذي لا يتوقف بالرغم من صراخ الحراس المتواصل.. للحديث بقية