د. طه بعرة – أستاذ القانون العام
منذ حوالي خمس سنوات والجهود الدولية تسعى الى رأب الصدع وإعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي، الذي أنقسم على نفسه بين شرقي ليبيا وغربها، فتعدد محافظوه وازدوجت مصروفاته واضحى كل قسم منه محل اتهام الآخر، وانطلقت في ذلك البعثة الأممية للدعم في ليبيا على قاعدة إتفاقية الصخيرات المتعلقة بالإتفاق السياسي الليبي، وبعد إجراء عدة حوارات مع كل أطراف العلاقة، كللت الجهود بالإتفاق على مراجعة المصرفين المركزيين من قبل طرف أجنبي محايد، يتمثل في شركة محاسبة دولية أو بالأحرى إحدى الشركات الأربعة الكبار للمراجعة الدولية، والتي لها باع في مراجعة المصارف المركزية لعدة دول في العالم.
تعزيزاً لتلك الجهود طلبت حكومة الوفاق الوطني رسمياً من مجلس الأمن إصدار قرار دولي بمراجعة مصرفي ليبيا المركزي عن طريق شركة أجنبية، وهو ما صدر فعلاً وترتب عليه فتح باب العطاء ورسوه فيما بعد على شركة ديلويت للمحاسبة الدولية والاستشارات.
بيد أن عقد التكليف قد أوقف بعد عرض الاتفاقية على ديوان المحاسبة الليبي بطرابلس، والذي طلب منه المصادقة على موافقة بنودها لأحكام القانون الداخلي، وأستقر رأيه على رفضها لمخالفتها لقانون المصارف، وقانون تنظيم مهنة المحاسبة، وقانون إعادة تنظيم ديوان المحاسبة وتعديلاتهم، وذكر بوضوح بأنه لا يتأتى تكليف شركة مراجعة خارجية لمراجعة المصارف المركزية إلا في إطارين، أولهم أن يتم التكليف عن طريق ديوان المحاسبة مباشرة، أو أن يتم عبر ديوان محاسبة نظير في دولة أجنبية تربطها بليبيا إتفاقية، وقد جاراه المجلس الاعلى للدولة في هذا الرأي، وتبنى اقتراحاته وطلباته بموجب رسالة رسمية وجهها الى رئيس بعثة الامم المتحدة في ليبيا.
ولما كان الإتفاق السياسي الليبي المبرم في مدينة الصخيرات المغربية، قد اضحى بحكم الواقع إعلاناً دستورياً للدولة الليبية، حاز الشرعية الدولية وإفتقر بطبيعة الحال للمحلية، وانبثقت عنه مؤسسات سيادية قائمة، أهمها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ومجلس النواب، ومجلس الدولة، واستمد منه كل رئيس لهذه المؤسسات وغيرها شرعية اعتلاء هرم تلك المؤسسات، التي من ضمنها ديوان المحاسبة ومصرف ليبيا المركزي.
وكان الإعلان الدستوري يعد بمثابة إعلان مؤقت للدولة، يضم كافة التشريعات الأساسية “الدستورية” التي تسموا على كافة التشريعات العادية “القانون”، بما يتعين معه بطلان أي تشريع أو مادة لا تتفق ونصوص التشريع الذي يعلوها درجة هرمية، وكان الفصل السابع من الإتفاق السياسي بعنوان “الدعم الدولي” قد نص في مادته 56 بأنه لحكومة الوفاق الوطني أن تطلب من مجلس الأمن الدولي إصدار قرار يؤيد الاتفاق ويدعم تنفيذه، وعلى وجه الخصوص توفير المساعدات الدولية اللازمة لتنفيذه، ونصت المادة 57 بأنه لحكومة الوفاق الوطني طلب المساعدة والدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والمنظمات الإقليمية لوضع وإقرار خطة شاملة للدعم الدولي لمؤسسات الدولة الليبية على مدى الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية.. لا سيما توفير الاستقرار المالي والاقتصادي،، وتعمل حكومة الوفاق الوطني مع البعثة على تنسيق جهود المجتمع الدولي خلال تنفيذ هذه الخطة عن طريق آلية تقوم حكومة الوفاق الوطني بإقرارها،، ونصت المادة 60 على ضرورة التزام كافة الأطراف بالامتناع عن اتخاذ أية إجراءات و قرارات تتعارض مع بنود هذا الاتفاق، بأي شكل من الأشكال، وأن يعملوا على دعمه بكافة الوسائل والسبل الممكنة.
لكل ذلك اضحى طلب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني من البعثة الأممية ومجلس الأمن الدولي، قراراً بتعيين مراجع خارجي يتولى مراجعة حسابات ومصروفات المصارف المركزية شرقاً وغرباً، في إطار جهود توحيد المؤسسات المنقسمة وتوفير الاستقرار المالي والاقتصادي، مطلباً شرعياً وفق الشرعية الدولية القائمة، وأن أي امتناع عن تيسير تنفيذ طلبها وتنفذ القرار الدولي واتفاقية المراجعة يتعارض مع بنود الإتفاق السياسي التي توجب الدعم بكل السبل الممكنة.
هذا دون حتى التعرض لمسألة إلزامية قرارات مجلس الأمن الدولية لكل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، التي تعهدت بإحترام القرارات الدولية عند توقيعها ومصادقتها على الاتفاقية، وفق نص المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة الذي نص على أن “يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق”، والمادة (24) من الميثاق التي نصت على أنه” يعمل مجلس الامن في اداء هذه الواجبات وفقا لمقاصد الامم المتحدة ومبادئها، والسلطات الخاصة المخولة لمجلس الامن لتمكينه من القيام بهذه الواجبات مبينة في الفصول 6-7-8-12، والذي حسم ايضاً بقرار محكمة العدل الدولية التي أقرت أمر إلزامية القرارات الدولية بكاملها للدول الأعضاء، سيما وأن مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي قد أيده القضاء على المستويين الوطني والدولي، ولم يعد في وسع الدولة الاحتجاج بقانونها الداخلي أو حتى بدستورها الوطني لمخالفة التزام دولي ترتب سلفاً في مواجهتها.
لكل ذلك نوصي بالمصادقة القانونية على إتفاقية تكليف شركة المراجعة الخارجية، وتوحيد مؤسسة مصرف ليبيا المركزي.
—————-