بقلم /عبدالباري رشيد
الأزمة الليبية وعلى مداد تسعة أعوام كانت حاضرة أمام العالم بخلفياتها وما انتجته من تأثيرات أفرزت الواقع المأساوى الذي شهدته البلاد ـ قبل تولى حكومة الوفاق السلطة في مارس 2016.. وما حدث أيضاً خلال السنوات الأربعة التالية لذلك والتي شهدت أخطر حلقات المأساة والمتمثلة في عدوان استمر تسعة شهور منذ يوم 4 أبريل وحتى الساعات الأولى من فجر يوم 12يناير الجاري والذي تم فيه وقف اطلاق النار برعاية كل من روسيا الاتحادية وتركيا.. وكما هو معروف فإن خلفيات الازمة الليبية كانت مرصودة وواضحة تماماً أمام العالم أجمع بمختلف منظماته وهيئاته ـ
وخاصة الأمم المتحدة.. وتحديداً الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية 74 للعام 2019م حين استمع الجميع في حينه إلى خطاب حكومة الوفاق حول خلفيات الازمة وتطوراتها والاطراف التي عرقلت المسارات السياسية والاقتصادية والأمنية للدولة الليبية ـ وإنحدرت بها إلى المجهول وإلى الحرب غير المبررة ولا الواجبة!! التي أزهقت أرواح الليبيين على مدى الشهور التسعة بحيث سقط فيها أكثر من عشرة آلاف إنسان ما بين قتيل وجريح فضلاً عن نزوح ما يزيد عن مائة وخمسين ألفاً من المواطنين الذين وقعت مساكنهم وسط نيران الحرب وتدمير احياء سكنية عديدة في ضواحى العاصمة وغير ذلك من الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية والمرافق الحيوية والتي توقف معظمها كالمطار الوحيد نتيجة للقصف المستمر ففى ذلك الخطاب وأمام ممثلى العالم كله بالجمعية العامة وحتى في اللقاءات والمنتديات التي تنظم عادة على هامشها شرحت حكومة الوفاق كافة تطورات وملابسات المشهد الليبي ليس منذ تولى الوفاق للسلطة في مارس 2016م .
كما ذكرنا بل قبل ذلك التاريخ أيضاً ـ حيث وجد المجلس الرئاسي نفسه أمام تركة ثقيلة تمثلت في إنعدام الأمن وانتشار السلاح وهي الأرضية التي وفرت في حينه المناخ لتسلل التنظيمات الارهابية وسيطرتها لاحقاً على مدينة ((سرت) فضلاً عن فشل الحكومات المتعاقبة في جهودها السياسية منذ أوائل العام 2012م وعدم قدرتها على نزع السلاح وإحتكار الدولة له وهو الأمر الذي بقيت معه الأزمة قائمة، وحتى عند صياغة الاتفاق السياسي في ((الصخيرات)) والذي إنبثقت عنه حكومة الوفاق شاهد العالم بأم عينه كيف أن بعض الاطراف الموقعة على الاتفاق لم تلتزم بالإستحقاقات الواردة فيه وأدخلت البلاد طوال السنوات الأربعة الماضية في دوامة أخرى توجتها بالعدوان العسكري يوم 4 أبريل الماضي والذي أفرز كل تلك التداعيات والتأثيرات المرصودة على أرض الواقع، فالطرف المعتدى على العاصمة وضواحيها ضرب بعرض الحائط كافة المحاولات الرامية إلى استعادة الشعب الليبي لحريته ودولته المدنية وممارسة الديمقراطية عبر صناديق الانتخاب وإنجاز دستوره الدائم وغير ذلك من الترتيبات التي كانت تصب في مجملها لصالح النهوض بليبيا وبشعبها وأعاد البلاد إلى نقطة الصفر في كافة المسارات السياسية والاقتصادية والعسكرية من خلال عدوانه الغير مبرر والذي حاول من خلاله ((إجهاض)) حلم الدولة المدنية ـ
وإعادة الحكم العسكرى، ولقد ذكر رئيس المجلس الرئاسي تلك الحقائق مثلاً أمام منتدى ((كونكورديا)) الذي ينعقد سنوياً على هامش اجتماعات الدورة العادية للجمعية العامة يوم 24سبتمبر الماضي ويشارك فيه قادة وسياسيين من مختلف دول العالم حين اشار إلى محاولات حكومة الوفاق استيعاب الطرف المعرقل في العملية السياسية وعقدها معه ((سته)) لقاءات كان ابرزها مؤتمر ((باريس)) في مايو 2018وجرى الاتفاق فيه على الاحتكام لصناديق الانتخابات بل وتحددت مواعيد لإجراءها آواخر ذلك العام من أجل الخروج بالبلاد إلى شواطئ الآمان ولكن تلك الجهود ذهبت أدراج الرياح وبحسب ما ذكره رئيس المجلس الرئاسي أمام الحاضرين للمنتدى المشار إليه فإن مشاركة الطرف الآخر المعرقل في تلك المساعى والجهود كانت ((لكسب)) الوقت وطوال ثلاثة أعوام تلقى الطرف المعرقل أسلحة ودعم مالي حتى توهم أنه بمقدوره إجتياح العاصمة طرابلس خلال 48 ساعة، وأكد رئيس المجلس في ((المنتدى)) الاستمرار في الدفاع عن ((مدنية)) الدولة وعدم التنازل عن المبادئ التي التزمت بها حكومة الوفاق ايجاد حلول سلمية تضمن الخروج بالبلاد من أزماتها، وتأسيس نظام ديمقراطي يرتكز على أبجديات الديمقراطيات السائدة في العالم.
وبكل تأكيد فإن قادة وزعماء العالم الذين يؤمنون بالحلول السلمية للمشكلات والأزمات التي تعصف ببعض الدول والحروب الأهلية التي تنشأ عادة نتيجة لقصور في الرؤيا والحسابات الضيقة ونزعة التسلط وغيرها من الأسباب التي تعرقل المسارات الطبيعية للشعوب والأمم، وهؤلاء القادة والزعماء الذين يتصفون بتمسكهم بالسلام الدولي وبنزع فتيل الازمات والحروب الأهلية عرفوا جيداً حقيقة الأوضاع في ليبيا ووقفوا على المشهد من مختلف زواياه، وأدركو جيداً بأن حكومة ((الوفاق على الطريق الصحيح)) .وبالتالي أسرعوا إلى التدخل لنزع فتيل الازمة في ليبيا واتخذوا القرار السليم بوقف العدوان وإسكات صوت المدافع والرصاص إعتباراً من الدقائق الأولى لفجر الأحد 12 يناير الجاري، وهي الخطوة التي تلازمت معها محادثات جرت في العاصمة الروسية موسكو برعاية تركيا والاتحاد الروسي في اليوم التالي لدخول قرار وقف اطلاق النار حيز التنفيذ، وبحسب ما أعلنه رئيس المجلس في كلمة وجهها للشعب الليبي فإن وقف اطلاق النار يعتبر خطوة أولى في المسار السياسي لاستكمال بناء الدولة التي يحلم بها الليبيون، وهي في ذات الوقت تبديد لأوهام الطامعين في السلطة بقوة السلاح والحالمين بعودة الاستبداد، ودعا كافة الليبيين إلى طوي صفحة الماضى ونبذ الفرقة للإنطلاق نحو السلام والاستقرار وبأن يدرك الليبيون جميعاً بأن الخلافات بيننا يجب أن تدار ديمقراطياً.. وبالحوار مؤكداً في ذات الوقت بأن قبول حكومة الوفاق وقف اطلاق النار في حرب طرابلس جاء من موقف قوة لمنع إراقة المزيد من الدماء وحفاظاً على اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي..