منصة الصباح

إليهِ‭ ‬في‭ ‬مرقدِهِ‭ ‬

بقلم /محمود‭ ‬السوكني

‭ ‬لا‭ ‬تطمع‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتألم‭ ‬الآخرون‭ ‬كثيراً‭ ‬لغيابك‭ ‬،‭ ‬فغيابك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬لهم‭ ‬سوى‭ ‬أنها‭ ‬سنّة‭ ‬الحياة‭ ‬وقانون‭ ‬الطبيعة‭ !!.‬غيابك‭ ‬مقبول‭ ‬،وفراقك‭ ‬متوقع‭ ‬وانتم‭ ‬السابقون‭ ‬ونحن‭ ‬اللاحقون‭ ‬،‭ ‬ولأنك‭ ‬ذهبت‭ ‬أولاً‭ ‬،‭ ‬فتلك‭ ‬مشيئة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬لحكمة‭ ‬لا‭ ‬يعلمها‭ ‬سواه‭ ‬،لن‭ ‬تتعطل‭ ‬عجلة‭ ‬الزمن‭ ‬فما‭ ‬أنت‭ ‬سوى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬سبقك‭ ‬منهم‭ ‬الكثيرين‭ ‬تحت‭ ‬جوف‭ ‬الأرض‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬محظوظاً‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬حرق‭ ‬جثته‭ ‬أو‭ ‬رميها‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬البحر‭ ‬بحسب‭ ‬الحالة‭ ‬والظرف‭ ‬والانتماء‭!. ‬أنت‭ ‬لست‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬عديدين‭ ‬ممن‭ ‬طواهم‭ ‬ملك‭ ‬الموت‭ ‬،‭ ‬ولن‭ ‬تزيد‭ ‬جزءً‭ ‬من‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬العمر‭ ‬المقدر‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬اللوح‭ ‬المحفوظ‭ ‬،‭ ‬فلماذا‭ ‬تريد‭ ‬من‭ ‬الآخرين‭ ‬أن‭ ‬يغضبوا‭ ‬لك‭ ‬ويتألموا‭ ‬من‭ ‬أجلك‭ ‬،وهم‭ ‬ايضاً‭ ‬ينتظرون‭ ‬لحظة‭ ‬الفراق‭ ‬ومغادرة‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬الفانية‭ .‬
سينساك‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬ويطوي‭ ‬الزمن‭ ‬ذكراك،‭ ‬وعندما‭ ‬تخطر‭ ‬على‭ ‬البال‭ ‬فما‭ ‬عليك‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬تتمنى‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬بعسير‭ ‬،‭ ‬أن‭ ‬تذكر‭ ‬محاسنك‭ ‬ويغفل‭ ‬ذاكروك‭ ‬مساوئك‭ !. ‬كثيرون‭ ‬غيرك‭ ‬سبقوك‭ ‬،‭ ‬ولست‭ ‬أفضل‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬فلا‭ ‬تحزن‭ ‬ولا‭ ‬تغتم‭ ‬فمن‭ ‬يعزي‭ ‬فيك‭ ‬اليوم‭ ‬،‭ ‬سيلحق‭ ‬بك‭ ‬غداً‭ ‬،‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬هذا‭ ‬الغد‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬أفضل‭ ‬حالاً‭ ‬بأسبقيتك‭ ‬،فالحياة‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬منك‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التشبث‭ ‬بها‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬تستاهل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الحرص‭ ‬عليها‭ !! . ‬ليس‭ ‬تشاؤماً‭ ‬،‭ ‬ولاهي‭ ‬نظرة‭ ‬سوداوية‭ ‬،‭ ‬ولكنها‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬نداريها‭ ‬ونخفي‭ ‬شمسها‭ ‬الساطعة‭ ..‬ولا‭ ‬نقدر‭ ‬،‭ ‬مهما‭ ‬تعددت‭ ‬محاولاتنا‭ ‬الفاشلة‭ ‬أن‭ ‬نتجنبها‭!. ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬سوى‭ ‬امراً‭ ‬واحداً‭ ‬ليس‭ ‬أكثر،‭ ‬وهو‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نتزود‭ ‬للقاء‭ ‬المولى‭ ‬عزّ‭ ‬وجل‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬نستعد‭ ‬ليوم‭ ‬الحساب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬واسطة‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬محاباة‭ ‬ولا‭ ‬رشوة‭ ‬يقبلها‭ (‬فمن‭ ‬زحزح‭ ‬عن‭ ‬النار‭ ‬وادخل‭ ‬الجنة‭ ‬فقد‭ ‬فاز‭ ‬فوزاً‭ ‬عظيماً‭ ) ‬أما‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬فالي‭ ‬جهنم‭ ‬و‭ ‬بئس‭ ‬المصير‭ ‬حيث‭ ‬النار‭ ‬التي‭ ( ‬وقودها‭ ‬الناس‭ ‬والحجارة‭ ) !. ‬لا‭ ‬تبتئس‭ ‬ولا‭ ‬تحزن‭ ‬ولا‭ ‬تغتم‭ ‬،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬موتك‭ ‬منعاً‭ ‬لتراكم‭ ‬ذنوبك‭ ‬،‭ ‬وإسقاطاً‭ ‬لبعضها‭ ( ‬بفضل‭ ) ‬الألسـن‭ ‬التي‭ ‬تستغل‭ ‬غيابك‭ ‬لتلـوك‭ ‬في‭ ‬سيـرتك‭ ‬،‭ ‬وتغتب‭ ‬ذكـراك‭ ‬،ولا‭ ‬تذكر‭ ‬الا‭ ‬مساوئك‭ ‬،أو‭ ‬تخترع‭ ‬القصص‭ ‬الكاذبة‭ ‬حولك‭ .‬
وقد‭ ‬يكون‭ ‬لك‭ ‬أبن‭ ‬بار‭ ‬يدعو‭ ‬لك‭ ‬،‭ ‬وزوجة‭ ‬فاضلة‭ ‬تستمطر‭ ‬شأ‭ ‬بيب‭ ‬الرحمة‭ ‬على‭ ‬روحك‭ ‬متناسية‭ ‬ما‭ ‬أقترفتة‭ ‬في‭ ‬حقها‭ .. ‬قد‭ ‬يتصادف‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬رجالاً‭ ‬صالحون‭ ‬شاركوا‭ ‬صدفة‭ ‬في‭ ‬تشييع‭ ‬جثمانك،‭ ‬وصلّوا‭ ‬عليه،‭ ‬ودعوا‭ ‬وأحسنوا‭ ‬الدعاء‭ ‬الذي‭ ‬شرعت‭ ‬أمامه‭ ‬أبواب‭ ‬السماء‭ ‬،‭ ‬ولاقي‭ ‬القبول‭ ‬واستجابة‭ ‬الرحمان‭ ‬الذي‭ ‬وسعت‭ ‬رحمته‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ..‬لا‭ ‬تحزن‭ ‬كثيراً‭ ‬ولا‭ ‬تيئس‭ ‬،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬موتك‭ ‬عبرة‭ ‬لكثيرين‭ ‬غيرك‭ ‬،‭ ‬أيقظ‭ ‬موتك‭ ‬فيهم‭ ‬نزعة‭ ‬الأيمـان،‭ ‬وأعادهم‭ ‬إلى‭ ‬جادة‭ ‬الصواب‭ ‬،‭ ‬وذكّرهم‭ ‬بالذي‭ ‬لا‭ ‬ينسى‭ ‬ولا‭ ‬ينام‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬مغيث‭ ‬سواه‭ .‬
نم‭ ‬هنيئاً‭ ‬وتذكر‭ ‬،‭ ‬انه‭ ‬الرحمان‭ ‬الرحيم‭ ‬وهو‭ ‬سبحانه‭ ‬غني‭ ‬عن‭ ‬عذابك‭ ..‬فلا‭ ‬تحزن‭ ‬ولا‭ ‬تبتئس‭ .‬

شاهد أيضاً

فئة الخمسين… وحال المساكين

باختصار بقلم د. علي عاشور قبل أيام انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صور لقرار خازن …