هل تجاوز الإنقلاب في النيجر (إكواس)
بالحبر السري
————-
بقلم: علي الدلالي
تباعدت في اعتقادنا فرص المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا العروفة اختصارا باسم (إكواس) للتدخل العسكري في النيجر وردع الإنقلاب الذي قاده قائد الحرس الرئاسي الجنرال، عبد الرحمن تياني، يوم 26 يوليو الماضي وإعادة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة.
لا تنقص (إكواس) الخبرة في التدخل العسكري حيث سبق وأن أرسلت قوات مسلحة إلى عدة دول أعضاء في المجموعة شهدت انقلابات أو حالات تمرد، وهي تدخلات لم تكن جميعها ناجحة، غير أنها تلكأت هذه المرة أمام الحالة النيجرية لأسباب معقدة في نيجيريا ذاتها، الدولة الأكبر في أفريقيا من حيث تعداد السكان والتي تتولى الرئاسة الدورية للمجموعة، بعد رفض البرلمان النيجيري طلبا تقدم به الرئيس بولا أحمد تينوبو، للموافقة على نشر قوات نيجيرية في النيجر لإعادة الرئيس المنتخب ديمقراطيا إلى السلطة.
وبالفعل أرسلت (إكواس) قوات عسكرية إلى ليبيريا عام 1990، وإلى سيراليون عام 1998، وإلى غينيا بيساو عام 1999، وإلى الكوت ديفوار عام 2003، وإلى مالي عام 2013 وإلى غامبيا عام 2017.
يمكن أن نقول إن (إكواس) حققت نجاحات في دول وأخفقت في أخرى، رغم الفضيحة التي صاحبت الجنود النيجيريين في ليبيريا وبخاصة الإنتهاكات المسجلة في مجال حقوق الإنسان وفساد الكثير من جنرالات الحرب النيجيريين، ولكن أكبر نجاح لهذه المجموعة الاقتصادية والسياسية والعسكرية كان في غامبيا حيث تم إرسال حوالي 7000 جندي من السنغال، الدولة التي تحيط بغامبيا جغرافيا، وأجبرت الرئيس يحيي جامع على تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب أداما بارو، والرحيل إلى المنفى.
لا تزال المجموعة الإقليمية تمتلك الآليات والأدوات للضغط على الإنقلابيين في النيجر وإجبارهم على التفاوض وعلى رأسها الضغوط الاقتصادية التي يتعين، بحسب المراقبين، تشديدها يوما بعد يوم، وصولا إلى الإفراج عن الرئيس محمد بازوم وأسرته وإخراجهم من النيجر وفرض عملية إنتقالية لا تتعدى ثلاثة أشهر لعودة العسكر إلى ثكناتهم وتسليم السلطة إلى الشخص المخول دستوريا بعد الرئيس بازوم، وهو رئيس الجمعية الوطنية، لإجراء انتخابات رئاسة وبرلمانية وفق ما ينص عليه الدستور في حالة شغور المنصب.
يبدو أن (إكواس) كبحت اندفاعها نحو الحل العسكري لعدة أسباب منها التشابك العرقي بين سكان شمال نيجيريا وغالبية سكان النيجر من قبيلة الهوسا، وهي من أكبر القبائل انتشارا على مستوى القارة الأفريقية، وأكبر التجمعات العرقية النيجيرية، إذ تبلغ نسبتهم بحسب بعض التقديرات ربع سكان البلاد البالغ حوالي 200 مليون نسمة، بروز نزعة عرقية عنصرية متصاعدة ضد الرئيس محمد بازوم على خلفية أصوله العربية أسفرت عن سقوط ضحايا في نيامي، حالة التشظي داخل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي وبرودة الموقفين الفرنسي والأمريكي على الأرض، رغم بيانات التنديد الرسمية ورسائل التمسك بعودة السلطة المنتخبة شرعيا، في الوقت الذي تمتلك فيه هاتان الدولتان المصنفتان من القوى العظمى، تواجدا عسكريا ملفتا على الأرض في النيجر، كان بمقدوره حسم الموقف وإجبار العسكر منذ الساعات الأولى للإنقلاب على العودة إلى ثكناتهم.
يتمركز في النيجر حوالي 1500 جندي فرنسي يبدو أن همهم الوحيد حماية مناجم اليورانيوم وشركة أريفا، الذراع الصناعية للنووي الفرنسي، وحوالي 1000 جندي أمريكي، همهم الوحيد كذلك الحفاظ وإدارة القاعدة العسكرية لتسيير ما بات يُعرف بحروب “الدرون” في منطقة الساحل.
يتعين على (إكواس) ومن خلفها الإتحاد الإفريقي اليوم الخروج من عباءة تجميد عضويات الدول الأفريقية التي تواجه “مغامرين عسكريين” والإهتمام بمطالب الشباب الأفريقي الذين يشكلون أكثر من 60 في المائة من ساكنة دول الإتحاد ومعالجة أعراض حمى عبور الصحراء وركوب قوارب الموت التي تفشت وسطهم.
ومن هنا على الاتحاد الإفريقي أن يدرك أن زمن رؤساء 54 من الدول الأعضاء الذين يلتقون مرتين في العام، في أديس أبابا أو في أي عاصمة أفريقية أخرى، لإلقاء خطابات مكررة منذ ستينيات القرن الماضي قد ولى، وعليه أن يستمع إلى أصوات الشباب.
نحن في أفريقيا بالفعل في حاجة إلى أصوات جديدة تسعى إلى التغيير فالقيادات الأفريقية الحالية، التي تم تشكيلها وفق اشتراطات الموروث الإستعماري، لن تغير من طبيعتها.