منصة الصباح

إعلاء قيمة العمل

مفتاح قناو

عندما نشاهد سلوك الناس في بلاد الله المتقدمة تكنولوجيا في القارات الخمس نلحظ بسهولة أن ( إعلاء قيمة العمل هي العلامة الفارقة بيننا وبينهم ) وأن كل ما يليها، أو ما قد يترتب عليها من سلوكيات هي محصلة لهذا الالتزام الحضاري الهام.

إعلاء قيمة العمل، أو تقديس العمل، يجعل المواطن في تلك الدول يجلس على كرسي العمل منذ اللحظة الأولى لبداية دوامه الرسمي، حتى اللحظة الأخيرة منه، دون محاولة منه للهروب أو التكاسل أو اختلاق الأعذار، التي يتفنن فيها جماعتنا.

المواطن الذي يقدس العمل، هو أيضا إنسان يحب الراحة والاستمتاع، ويمارس الاسترخاء في العطلات، واللهو في الملاعب، والسهر في الحفلات، لكنه حتى يستمتع كثيرا بهذه المباهج في أوقات الراحة، ويتذوق طعمها اللذيذ، عليه أن يعمل بجد واجتهاد ودون كلل خلال دوام عمله المعتاد طوال الأسبوع، فما السبب في هذا السلوك المميز لديهم ؟!

في اعتقادنا أن أسلوب التنشئة منذ الصغر، والتربية القويمة، وغرس أهمية العمل ضمن القيم الحياتية للإنسان هي من أهم الأسباب التي تؤدي إلى هذه النتيجة، وقد يقول قائل بأن التطبيق الصارم للقانون، وخصوصا (قانون العمل) هو السبب في هذا السلوك، لكننا نعتقد أن هذا عاملا مكملا، وليس أساسيا، فاحترام القانون أيضا يدرس في مدارسهم الابتدائية، وهم مقتنعون تماما بأن دقة تطبيق القانون على الجميع هي في مصلحة الجميع .
وقد طالب بعض الأصدقاء في الفترة الماضية بضرورة تكوين نقابات مهنية قوية تدافع عن حقوق العاملين، وكنت أرى أن هذه المطالبات ــ رغم أهميتها ــ بعيدة عن المنطق، لأن إيجاد مثل هذه النقابات وجعلها قوية، ينبغي أن يكون على أسس حقيقية، فلا يمكن خلق نقابات عمل قوية مع انتفاء وجود العمل الذي ترغب في أن تقيم له نقابة تدافع عنه.

سألني صديق ذات مرة عن سر قوة الاتحاد العام التونسي للشغل، وهذه هي التسمية التونسية لاتحاد نقابات العمال، فقلت بأن اتحاد الشغل التونسي قد تأسس بشكل صحيح لوجود قوة عاملة حقيقية ومنتجة ومؤثرة في اقتصاد تونس، فميزانية تونس تجمعها الحكومة سنويا من الضرائب على المحاصيل الزراعية والمنتجات الصناعية، ومن الضرائب المحصلة من أجور العمال أعضاء الاتحاد، ومن تحويلات العاملين التونسيين بالخارج، وليس للحكومة التونسية إنتاج نفطي تضع منه ميزانية سنوية

كما يحدث عندنا، هنا تكمن قوة الاتحاد التونسي للشغل في تونس، أما في ليبيا فكل ميزانية الدولة من النفط ولا علاقة للقدرات الإنتاجية والعاملين فيها بهذه الميزانية، لذلك لا يوجد تأثير لأي عمل نقابي على الحكومة في ليبيا.

 

 

شاهد أيضاً

الخلع … بين الشريعة والقانون الليبي

 بقلم : آمنة الهشيك / أستاذ قانون ​ بعد الهجرة المحمدية وانتشار الإسلام حاول رسولنا …