أحلام محمد الكميشي
اختتمت فعاليات مهرجان المسرح الوطني في نسخته الثانية عشر بطرابلس، وتناوبت فيه (16) فرقة مسرحية على تقديم عروضها ما بين مسرح الكشاف ومسرح كلية الهندسة.
وأتساءل لولا وجود مسرح الكشاف أين سيعرض الفنان الليبي مسرحياته في طرابلس التي لم يُبنى فيها مسرح واحد طوال عقود، فيما تم تحول المسرح الجماهيري في الظهرة لموقف للسيارات في بلاد تختصر كل علاقتها بالمواصلات البرية في السيارات والأفيكو، وحتى مسرح الكشاف هو نفسه بذات صورته منذ افتتاحه لم تدخل عليه التكنولوجيا ولا التطوير.
لعل ما يعانيه المسرح الليبي بعضٌ مما تعانيه الثقافة عامة والمواطن الليبي خاصة، فأستاذ الشعوب هو مصدر قلق لأي نظام حكم يسعى لتنويم الوعي الشعبي وإطلاقه في منامات الشعبوية مصفدًا بأغلال الشعارات التي تسلطن العاطفة الطفولية وتطيل أمد طفولتها بعيدا عن مقاعد هذا الأستاذ الذي ما أن يجلسها في حضرته حتى يبدأ في شحن أذهانها وبعث اليقظة في مكامن شعورها وإطلاقها من وحل الأصفاد إلى براح الفكر والتحرر.
تقترب تجربة المسرح الليبي من قرن ونصف، حيث كانت البداية وفق ما ذكره الكاتب المسرحي “البوصيري عبد الله” بعروض مسرح (امبوراخ) بزنقة الخمري بالمدينة القديمة بطرابلس سنة 1882م، وهي انعكاس كلي لعموم التجربة الليبية الرسمية والشعبية بكل أمجادها وانتكاساتها.
معاناة المسرح الليبي والتي أجاد الكاتب “منصور أبوشناف” في صياغتها في مقالته في بوابة الوسط بعنوان (انتظار) تظافر ضمن أسبابها غياب المسرح المدرسي والجامعي، وإغلاق عدد من المعاهد الفنية بحجة الصيانة وغيرها، وعدم افتتاح معاهد جديدة تعلم الكتابة والتمثيل والإخراج للمسرح، وعمّقها غياب المسرح حتى في المنهج الدراسي، بالإضافة لضحالة الدعم الحكومي الحقيقي مع غياب القطاع الخاص الذي نجح في الاستثمار في الفن في كل دول العالم حتى غدا الفن لدى بعض الدول أحد روافد الدخل القومي، لكنه في ليبيا لا يرغب في المغامرة لا في المسرح ولا التلفزيون ومن نافلة القول السينما.
الفن كالإعلام يحتاج للمال كي يزهر ويجلب الأموال، وتحتاج الأجيال الفنية للتواصل بدخول دماء جديدة من الجنسين، والقطاع الخاص الذي يجب أن يكون منافسًا ومكملا للدولة وليس تابعًا لها يحتاج لأن يفهم دوره في إنشاء مسارح خاصة تراهن على ما يجذب الجمهور وتستثمر في النص والأداء والإخراج الجيد والخدمات الجيدة وتحتكم لشباك التذاكر، ونحتاج للاحتكاك بالتجارب العربية والدولية عبر مهرجانات حقيقية بمعايير الدول التي تقيم مهرجانات سنوية تكون أساسا لتدوير عجلة الإنتاج الفني فيها بعد انتهائها إلى أن يحين الموعد القادم، ونحتاج لتوطين صناعة مسرحية وفنية حقيقية لا تتخلف عن مثيلاتها في دول الجوار على الأقل.
يسجل “أبوشناف” أيضًا غياب المرأة شبه الكلي بقوله (المسرح الليبي في هذا المهرجان يطرد المرأة من ركحه طردا شبه كامل، فلا تحضر المرأة إلا في عرضين لتختفي من بقية العروض، مما ينذر بمستقبل لا حضور فيه للمرأة إن لم ننتبه.) هل هذا انعكاس لغياب المرأة أو لحضورها الباهت في كثير من القطاعات والمجالات؟ هل يعزف المسرح عن قبول المرأة ويطردها فعلا أم هي التي اختارت أن لا تكون جزءً من هذه المرحلة التي يعاني فيها المسرح واكتفت بمعاناتها الشخصية في دروب أخرى؟ ما الذي أزعجه منها أو أزعجها منه؟ هل أبعدها النص أم المخرج أم المنتج أم ما استجد على ثقافة المجتمع من اتجاهات وأفكار؟ وما دور الجهات المسؤولة في وضع الخطط العلاجية كي لا يستمر الطرد والعزوف ليشمل الرجل الليبي تباعًا ويسدل الستار ويغيب المسرح الليبي ملتحقًا بالسينما الليبية؟.