بالحبر السري
———
علي الدلالي
………..
سجلت إسرائيل الأسبوع الماضي خرقا جديدا وسط القارة الأفريقية، على الحدود الجنوبية لليبيا، حيث قام رئيس تشاد، محمد إدريس ديبي، يوم الخميس الماضي، بافتتاح سفارة لبلاده لدى الكيان الإسرائيلي في تل أبيب، استكمالا لخطة والده، ادريس ديبي اتنو الذي قُتل في مواجهة عسكرية في أبريل عام 2021، وفي نفس اليوم قام وزير خارجية إسرائيل، إيلي كوهين، بزيارة خاطفة إلى الخرطوم، على الحدود الجنوبية الشرقية لليبيا، وعاد في جيبه بمشروع لتوقيع اتفاق سلام مع السودان في واشنطن، في وقت لاحق من هذا العام.
في الواقع لم تكن علاقات إسرائيل بالدول الأفريقية وليدة اليوم حيث كانت الدولة العبرية مرتبطة بعلاقات دبلوماسية كاملة مع 33 دولة أفريقية قبل قيام إسرائيل باحتلال سيناء والضفة الغربية والجولان السوري. وبعد حرب 1973 وعلى إثر القرار اليتيم للدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط بوقف الإمدادات العالمية، قامت الدول الأفريقية في إطار منظمة الوحدة الأفريقية، (الإتحاد الإفريقي حاليا) بقطع علاقاتها بالجملة مع الكيان الإسرائيلي، على خلفية وعود بحصول الدول الأفريقية على النفط العربي بأسعار تفاضلية إلا أن تلك الوعود لم تكن صادقة ولم يتم صونها.
أربكت زيارة السادات إلى القدس في نوفمبر 1977 واعتراف مصر بإسرائيل مواقف الدول الأفريقية التي أيقن قادتها أن العالم تغير، بل وفي تغير مستمر، وأنهم ليسوا أقرب من المصريين إلى الفلسطينيين ولن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين بعد اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 بحق إسرائيل في الوجود.
تتنافس إسرائيل اليوم جنبا إلى جنب مع قوى عالمية منها، الولايات المتحدة، الصين، فرنسا، روسيا وبريطانيا، وإقليمية، منها تركيا، الهند، الإمارات والسعودية، على الإستحواذ على موارد القارة الأفريقية، ونجدها اليوم تقيم علاقات مع حوالي 40 دولة أفريقية من أصل 54 دولة ولديها 10 سفارات في الوقت الذي ترتفع فيه أصوات في بلادنا لمجموعة من الهواة، يجهلون التاريخ والسياسة، يطالبون بتقليص الفضاء الجيوسياسي الليبي في القارة السمراء التي تشكل عمقنا الإستراتيجي وحيث يقع ثقل الموردين الأساسيين للحياة في ليبيا، النفط والماء، على تخومها.
قد نتساءل ماذا ستجني تشاد والسودان من عودة العلاقات مع إسرائيل وسيكون الجواب تأكيدا ليس كثيرا وربما لا شيء إذا ما نظرنا إلى ما جنته الدول التي سبق وأن طبعت علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، باستثناء بعض المعلومات المخابراتية المحددة والأسلحة الخاصة بالقمع، وهي أدوات، إلى جانب القبة الحديدية والرؤوس النووية والطائرات االحربية الأمريكية والمدافع والميركافا، فشلت جميعها داخل إسرائيل نفسها أمام قرار شاب فلسطيني واحد قرر الموت.
لدينا خبرة طويلة مع اليهود فقد عاشوا معنا وبيننا وتقاسمنا معهم لقمة العيش واستقبلتهم جميع الدول العربية عندما قهرتهم أوروبا والعالم، ونعرف أن اليهودي بخيل جدا ولا يعطي شيئا على الإطلاق، ومن بين القصص الكثيرة في الأدب المحكي عن بخل اليهودي ورفضه حب الخير للآخر أستذكر القصة التي تقول : عندما يستيقظ اليهودي صباحا أول شيء يقوم بع يسارع إلى خزنة أمواله يفتحها ويمتع نظره بالذهب الذي يكنزه ثم يتناول ملعقة عسل، وعندما يحضر إلى دكانه يسأله جاره الليبي عن أحواله فيجيبه : ” لا يوريك ما ريت ولا يذوقك ما ذقت”.
تعمل إسرائيل وفق استراتيجيات محددة للتنافس مع “الكبار” على موارد القارة الأفريقية الضخمة وعيونها على مخزون المياه الجارية والجوفية الهائلة في القارة السمراء لأنها تُدرك أن الحروب القادمة ستكون في المقام الأول على المياه، ومن هنا حرصت الدولة العبرية على الإبقاء على خطوط تواصل علنية وسرية مع كافة الدول الأفريقية بل وتسربت من خلال رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي، التشادي موسى فقيه محمد، لتحتل مقعد “مراقب” داخل المنظومة الأفريقية، وستحرص من خلال الوصول إلى مواقع صناعة القرار الأفريقي إلى ضمان أصوات الدول الأفريقية معها في المحافل الدولية.
يبقى السؤال المسكوت عنه إلى متى ستصمد دول مثل السعودية والجزائر وتونس وليبيا وحتى إيران قبل اللحاق بركب المطبعين. لعل البداية في السعودية كانت مع السماح لشركة “العال” الإسرائيلية بعبور الأجواء السعودية، وقد تكون الفتوى جاهزة، وفي ليبيا كانت تقارير صحفية كثيرة كشفت عن زيارات متكررة لنجل المشير خليفة حفتر إلى إسرائيل.