منصة الصباح

أُضْحِيَةُ الدَّيْنْ… وَلَا مِنْ مُعِينْ

4000 دينار مقابل كتفين ونصف فخذ وصوفة وقرنين، هذا ليس خروفاً، هذا ثمن (أوبل أسترا) هذا ما سمعته من أحد المواطنين في ذات جولة على زرائب الباعة القادمين لطرابلس من مناطق متفرقة.

حقاً إنه لأمر غريب، خروف واحد يأخذ راتب موظف حكومي يعمل منذ الثورة البلشفية ولا يزال ينتظر تحسين وضعه.

يفترض أن تكون ليبيا بلداً للثروة الحيوانية، لدينا (البرقي)، نوع نادر من الغنم أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى موطنه الأصلي إقليم برقة الليبي، ولكن ثمنه مبالغ فيه هذ العام، يبدو أن هذا النوع يتغذى على الزعتر، ويشرب من ماء المطر، بل يقال إنه يشم رائحة العيد قبل أن يأتي.

منتوج ليبي إن صح لنا القول، ولكن لماذا بهذا الغلاء؟ لقد أصبح هذا البرقي نفسه حكراً على القادرين، فتحولت المناسبة الدينية إلى سباق لترسيخ الطبقية؟

العيد في ليبيا صار مثل الرفاهية، له جمهور محدود، ولكن ماذا عن البقية؟ ينتظرون معجزة، أو تاجراً فيه بعض من الرحمة، أو لجنة أزمة، وكلها احتمالات أقل من احتمال نزول المطر في شهر يوليو على رمال مدينة العوينات.

المملكة المغربية… خرج وزير الأوقاف فيها قبل بضعة أشهر على التلفزيون الرسمي للبلاد، وقال: إن ذبح الأضحية ليس فرض عين، وإن الحفاظ على الثروة الحيوانية أولى، ولهذا قرر الملك أن يذبح نيابة عن شعبه. أما نحن، فالملك غائب، ولا يوجد إلا التجار الذين يذبحون الشعب كل يوم.

نتلمس الخرفان بأعيننا، ونسأل عن السعر، ونضحك دون سبب، كأننا في مسرحية لسعيد صالح، والتاجر لا يخفي ابتسامته، ويحدثك عن ارتفاع الأعلاف، وشح المطر، ومصاريف الراعي، وتكلفة النقل، كأن المواطن هو الذي استورد الأزمة.

في كل عيد هناك من يشتري الأضحية بالأقساط، ويوزع اللحم بالقطارة، ثم يغلق المطبخ حتى إشعار آخر. بل إن من هذا الشعب من لا يستطيع التفكير في شراء أضحيته، لا لشيء إلا لأنه لا يريد أن يزيد ديونه المتراكمة ديناً أخر يثقل عليه.

لا أحد سأل السؤال الحقيقي: لماذا في بلد يملك هذا العدد من رؤوس الأغنام، لا يستطيع المواطن شراء خروف؟ لماذا ننتج البرقي لنستورد (المازقري) بأسعار مبالغ فيها؟ لماذا نملك ثروة ولا نحسن إدارتها؟

العيد صار طقساً للمظاهر أكثر منه شعيرة للعبادة، فيسبوك مليء بصور الخرفان أكثر من صور الأرحام، نقنع أنفسنا أننا بخير، ونصنع من الخروف نصراً وهمياً، بينما تنهزم قدرتنا الشرائية أمام قطعة لحم.

ربما لن يذبح البرقي هذا العيد، ولكن ما يذبح فعلًا هو جيب وكرامة المواطن، وحقه في أن يحتفل دون أن يستدين، ويضحك دون أن يحسب عليه ذلك رفاهية.

       د. علي عاشور

شاهد أيضاً

د.علي المبروك أبوقرين

الأضحية بين الأمس واليوم

د.علي المبروك أبوقرين في أقل من مئة عام عاش أجدادنا وابائنا ونحن وابنائنا على أرض …