منصة الصباح

أيام وليال أو  (ضحكة سارة ).. رواية الأحلام والأساطير..  والحب والموت

كتب / سالم العالم

 

غالباً ما يحدث لنا عند تعرضنا لموقف ما أو الاستماع لحديث ما أن نشعر بأننا سبق لنا أن مررنا بمثل هذا الموقف أو سمعنا هذا الحديث من قبل فيما يشبه الرؤية ولكننا لا نستطيع أبداً أن نحدد متى حدث ذلك أو أين . ودائماً ما أجهدنا أنفسنا في تفسير هذه الظاهرة بمفاهيمنا البسيطة والشعبية وربما كان أحد التفسيرات ما نطلق عليه تناسخ الأرواح أو التقمص دون أن تكون لنا دراية تماماً بهذا المفهوم الموجود لدى الهندوس وفي بعض الديانات الشرقية القديمة رغم عدم إيمان الكثير منا بهذه الظاهرة

و رواية أيام وليال أوسضحكة سارةس  تضعنا في مواجهة أمام معتقداتنا الخاصة بهذه الظاهرة .  ( كانت ز ميزاني ز قد أشعلت سيجارة جديدة قبل أن تنتهي الأولى . بدا لها الهواء وكأنه قد نقص فجأة . كانت قد كتبت ذات يوم:  أنا على قناعة بأن ماهية كل شيء مسجّلة منذ أقدم العصور في لا شعورنا . وبأن ثغرة تنفتح أحياناً , وفي لحظات مميزة … على العموم , لم تكن ثغرة بل انفجار للذاكرة وللزمن . التقمص … أسطورة قديمة قدم العالم . ما من موضوع استحوذ مثله على كل هذه التعليقات …. وتتذكر بوضوح تعليق يونغ الذي أربكها عندما قال : عندما يغمس الإنسان نظره ولفترة طويلة في ثقب أسود , ينتهي به الأمر إلى أن يرى العين التي تنظر إليه من داخل الثقب ) . ص 184

كما تطرح الرواية تساؤلات عميقة عن علاقة  قصص الحب العظيمة بالموت فكما جاء على لسان أحد شخصيات الرواية مخاطباً ز ريكاردو فاكاريسا ز بطل الرواية ص 248 ( لقد قلت لك قبل لحظة إن هذا الحب الذي تتأهبان لتعيشاه , هذا الحب القريب من الحب الإلهي , المجنون , المجنّح , المطلق , ألا ينتمي إلى قصص الحب المستحيلة؟ فكر بالأزواج الذين عاشوا هذا الحب المصعَّد , أين هم؟ ماذا حل بهم؟ أنهار كرونواي تفيض بدموع إيزولت . يمكن أن نرى على أحد جدران قصر قديم في بريطانيا صورة تريستان وهو يقضي يأساً, وصورة إيزولت الشقراء وهي مرتمية على جثة حبيبها . مايزال السم يسري تحت جلد جولييت البيض وفي عروق روميو : ولتات فيرونا كلها . وفي فرنسا ما يزال دير أرجانتوي يردّد أصداء توسلات هيلويز وهي تنادي الموت على نعش ابيلار . هل فهمت ؟ الموت محتّم . دائماً الموت . إنه صنو قصص الحب العظيمة التي لا تتاح لها أن تعيش اكتمالها . كما لو أن هناك قدراً مكتوباً تحت جلد العشاق منذ غابر الأزمان . وإذا كانت قصص الحب المطلق تجسّد كمال الحياة مقابل الموت , فهي لا يمكنها أن تتحقق إلا عبر الموت ) إنها لقضية كبيرة فحتى تاريخنا العربي لا يخلو من قصص حب عظيمة انتهت بالموت . فهل هذه النهاية الطبيعية لقصص الحب الكبيرة؟ أم أن الموت هو سمة من سماتها ؟ أو ربما هي لا تكتسب عظمتها إلا باقترانها بالموت.

تضعنا الرواية أمام تحدي مهم أخر وهو ماذا تفعل عندما تجد أن كل ما حققته أو ما تملكه أو ما قمت به في حياتك لا يعبر عنك ولا يحقق ذاتك , أو أن كل خطواتك لم تكن من تدبيرك , بل تم رسمها لك . يجيب بطل الرواية وهو يحادث خطيبته لينهي علاقته بها بعدما واجهته بأنه هو الذي أراد الزواج بها وتسأله: هل كنت تخدعني. فيرد قائلاً: ( لا, كنتُ صادقاً في اللحظة , في اللحظة فقط. أنا أعرف أن تفسيراتي قد تكون مضطربة , ومع ذلك , أرجوكِ أن تحاولي فهمي . لقد رسموا خطي منذ ولادتي , ولقد رُبِّيت بحيث ألا افقده بنظري أبداً . طريق جميلة بالطبع , مفروشة بالسعادة ورخاء البال وعلى الأخص باليقينيات. ليس يقينياتي أنا, بل تلك التي لقنّوني إياها . لقد لبستُ ثوباً غير ثوبي زمناً طويلاً . مهما كان تفصيله جميلاً فقد صار ضيقاً عليّ ) ص 169.

ز ريكاردو فاكاريسا ز الثري الأرجنتيني الذي يحلم أثناء نومه بامرأة لا يعرفها ويتكلم أثناء نومه بلغة لا يعرفها ولم يسمعها أبداً في حياته وتقوده أحلامه ليرى نفسه يعيش مع حبيبته في زمن سابق لزمنه بـثلاثة آلاف وخمسمائة سنة في حضارة أندثرت من على وجه الأرض ,  وتتكرر معه هذه الأحلام بشكل مستمر ويصل به الأمر إلى مشاهدة رؤى حتى أثناء صحوه فيلجأ إلى الطب النفسي الذي كان يخطو خطواته الأولى في الأرجنتين سنة 1930 م , فيقف العلم عاجزاً أمام تفسير حالته , فيتخلى عن خطيبته وعن ممتلكاته وعن كل شيء بوطنه ليطارد حلمه إلى النهاية   ففي حوار مع طبيبته النفسية زميزانيس ص 185 يقول لها : ( – من وجهة نظري لا فائدة من البقاء, يجب الذهاب حتى النهاية .

نهاية ماذا ؟

نهاية قصتنا . قصتها وقصتي . يجب عليّ أن التقي بها قبل أن يفوت الأوان , وقبل أن يمنعنا القدر مرة أخرى من أن ننهي قصتنا . هل تدركين الفرصة الهائلة لمتاحة لي ؟ى كم من الناس يموتون بسبب إضاعتهم لمواعيدهم؟ وكم كانوا يتمنّون أن ينهوا ما بدؤوه ؟ وكم من المحتضرين قالوا قبل رحيلهم: لبس الآن يا إلهي , يوم آخر فقط ساعة , وهي الوقت اللازم لأنهي مهمتي … القدر يقدم لي هدية وحيدة من الطيش إضاعتها .

حملق في عيني المحلّلة النفسية ثم أضاف :

لا مجال بعد الآن , لقد فاتتني قطارات كثيرة. أما هذا القطار فسأركبه .)

فهل فعلاً لهذا الحب هذه القوة؟ وهل تستحق أحلامنا أن نطاردها إلى النهاية حتى لو كانت نهايتها الموت ؟

يحاورس ريكاردوس نفسه وهو بجزيرة كريت وعلى وشك أن يلتقي بفتاة أحلامه ص 262 ( هاهو هنا نائمٌ في الغبار الكريتي , يفترش ارض البرية , على بعد آلاف الكيلومترات عن بلاده , مقطوعاً عن كل ما كان يمثل حياته . لقد احرق الرموز كلّها واقتلع الجذور كلّها وكأنها أعشاب مجنونة , وهجر البيت الذي وُلد فيه , والإستانسيا , وجرح قلب المرأة التي أحبّته بكل جوارحها …. سأكتفي بما تعطيني إياه … اليقين مقابل الزيغ, والامتلاء مقابل خواءٍ ممكن … انتبه! أشعر أنك تحت تأثير قوةٍ لا اعرف اسمها, إلى أين تريد أن تجذبك؟ وما هدفها؟

صحيح , ما هدفها؟ لقد ارتاع من التأكد من القدرة التي جلبته بها تلك القوةُ إلى هنا. هل كانت قوة الحب؟ قوة نداء لا يقاوم؟ قوة رغبة مسيطرة في أن يُستهلك حتى يصير رماداً؟ هل على الإنسان أن يتحوّل إلى عدم لكي يولد من جديد عظيماً؟ أم أنها لم تكن سوى لحظة من تخلٍّ  ؟ ) .

رواية[ أيام وليال أو ز ضحكة سارة ز] لـ ز جيلبير سينويه ز  في طبعتها الأولى 2007 تقع في 319 صفحة من القطع المتوسط صادرة في طبعة فاخرة عن دار ورد للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق ذ سوريا وعن ترجمة متميزة لـ زعدنان محمد ز . وتعتبر الرواية في الكثير من جوانبها كتاب للتعريف بنظريات  زكارل غوستاف يونغ ز حول اللاشعور الجمعي وتفسير الأحلام . وكما جاء في تقديم الرواية

( فهي رواية غريبة وجريئة ومربكة … ومحببة جداً , ولا يلبث القارئ أن يجد قناعاته ويقينياته تتهاوى على مر الصفحات , ولن تني مبادئه الراسخة أن تتشظى كلما أراد أن يبحث لها عن أسس , ويتيه في متاهة عويصة الشعاب … نعم, إن المخاطر لتحيق بمن يقرأ هذه الرواية , تماماً كما حاقت بمؤلفها .وهو يكتبها ) ص11 .

( يمتلك سينويه حسّ العجائبي. وهذا الكتاب ذ الذي يحلّق بقصد قطع الأنفاس ذ هو استكشاف عظيم للعوالم الخبيئة , وهو تنويع على أسطورة أورفيوس , إنه قصة حب رائعة .رواية زأيام وليالس دعوةٌ لتذكّر البديهية التالية: بالأحلام كانت الآلهة, في الماضي , تخاطب أولئك الذين اختاروها, وبالأحلام تعطينا ذكرياتنا القوة للنظر إلى الأمام . في أحلامنا يكمن مفتاح قدرنا . ريكاردو وسارة لا يعرفون هذه الحقيقة , ولكنهما النجمان الخالدان اللذان وُجدا لينيرا عالماً تكتنفه الظلمة , عالمَنَا .)

* نبذة عن المؤلف

{ وٍلد جيلبير سينويه في القاهرة عام 1947 , وبعد أن درس عند اليسوعين , انتسب إلى دار المعلمين في باريس لدراسة الموسيقى فدرس الغيتار الكلاسيكي , ثم صار فيما بعد أستاذاً يعلم هذه الآلة .

كما عمل جيلبير سينويه كاتباً للسيناريو والحوار , بموازاة  عمله كروائي }.

شاهد أيضاً

التومي على مذكرة تعاون مع وزارة اللامركزية الجيبوتي

الصباح وقع وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي ، و وزير اللامركزية الجيبوتي قاسم هارون …