منصة الصباح
د.علي المبروك أبوقرين

أنماط النظم الصحية

النظم الصحية في العالم متعددة الأوجه والأنماط ، وتختلف في الأهداف والفلسفة والبنية من دولة لأخرى ، وتنعكس الفوارق على الإنصاف والعدالة الصحية ، والكرامة الانسانية ، وعلى الكفاءة والجودة ، وهناك نماذج أساسية معروفة ومنها :

– النظام الصحي التجاري الذي تكون فيه المنظومة الصحية سوق حرة تهيمن فيها شركات التأمين الصحي على القرارات العلاجية ، وكل شئ له سعره من الاستشارة إلى الفحوصات ، إلى كل إجراء وعمل يقدم للمريض بما في ذلك الإسعاف والطوارئ ، وتتحكم شركات الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية في الطلب والاسعار وتوزيعها ، ويعتمد هذا النظام على الربح وليس على الحاجة والضرورة ، ويتسم بالتمييز في الحصول على العلاج بين الأغنياء والفقراء ، ويستنزف هذا النظام الموارد وما يزيد ، على حساب الرعاية الوقائية ، ويشكل عبء مالي كبير على الطبقات الوسطى ويستنزف جميع مواردهم ومدخراتهم إن وجدت ، والطبيب عبارة عن مزود للخدمات والمريض ما هو الا زبون .

في هذا النوع من الأنظمة تنتشر الأنشطة التجارية الطبية والتسويق والترويج التجاري الطبي والاستثمارات الصحية الربحية ..

– ⁠النظام الصحي الهش وهذا ينتشر في أغلب الدول الفقيرة او التي تعاني من الفوضى أو ضعف في الإدارة ، وهذا النظام الصحي يعيش على الارتجال والفوضى والتخبط ، ويعاني من غياب أو نقص أو تدبدب التمويل ، وضعف البنية التحتية الصحية ، ويتسم بتعدد المؤسسات والهيئات الصحية المستقلة الموازية ، وغياب الرقابة والحوكمة والمساءلة ، ويتحول فيه القطاع الصحي إلى فرصة أو غنيمة معيشية للعاملين فيه ، واستغلال المرضى ماديًا ، وتشغيل المؤسسات الصحية العامة لحسابهم الخاص ، وتتحول المستشفيات الى مكان للتدريب المباشر على المرضى في غياب الاشراف والرقابة والمتابعة ، وتجرى الممارسات الطبية الخاطئة ، وهذا النظام يتسم بضعف أو انعدام الأخلاقيات المهنية ، مع انتفاء الثقة بين المريض والطبيب ، وهذا النوع من الآنظمة تعاني من هجرة الكفاءات وسوء توزيع الأطباء جغرافيًا وتخصصات ، ولا تتوفر بها جودة الخدمات الصحية ، ولا تطبق بها أي من المعايير ( لا جودة ولا امان ولا سلامة ) ، والمرضى يعانون من المرض والاذلال ، وينتشر التعليم الطبي الخاص المزيف ، وشركات التدريب لمنح الشهادات المضروبة ، وتغرق الأسواق بالأدوية المزيفة والمغشوشة ، ( باعة الدواء والشهادات كالباعة الجائلين ) ..

– ⁠النظام الصحي المختلط وهذا مزيج بين العام والخاص ، وفي الغالب لا يوجد لهم اي تنظيم مما يفاقم من استغلال القطاع الخاص للموارد العامة ( أطباء وتمريض وفنيين وإداريين وعمال نظافة وادوية ومستلزمات ومعدات ومرضى )

وتتسم هذه الآنظمة بتضارب المصالح ، والمريض يحال مرغما إلى العيادات والمصحات والمعامل ومراكز التشخيص والتأهيل والصيدليات الخاصة ، ويوجه إلى منتجات معينة لشركات مخصوصة ، والمريض غنيمة الى آخر فلس في جيبه أو آخر ما يملك من مدخراته ، والخدمات قائمة على حجم وعدد الإجراءات لتضخيم الفواتير ، وليست قائمة على النتائج والقيمة ( Value )

وهذه الآنظمة الصحية ينخرها فساد بنيوي في التوظيف والترقية والتكليف واللجان والهيئات والمؤسسات والمناقصات والمشتريات والعقود وهلم جر ، وهذا يؤدي إلى فقدان الثقة في المنظومة الصحية ، وهدر كبير في الموارد دون أي فائدة أو عائد على صحة وحياة الناس ، وبالضرورة غياب تام للرقابة والمتابعة والمساءلة والشفافية والحوكمة .

– ⁠النظام الصحي الإنساني العادل

هو النظام الصحي الذي يحقق المعايير المبنية على الحقوق والكرامة وليس على الأرباح والمكاسب ، ويحقق التغطية الصحية الشاملة دون تمييز بين الناس والمناطق ، ويقوم على الخدمات الصحية الوقائية والاستباقية والتنبؤية والرعاية الطبية الأولية الشاملة والمتكاملة وليس على الخدمات الاستشفائية فقط ، وهذا النظام يتسم بالشفافية والحوكمة والمساءلة ، والمشاركة المجتمعية ، ويوجه الموارد لمكافحة الامراض والكشف المبكر والعلاج المبكر والاستثمار الحقيقي في الصحة والانتاجية الفردية ، وتحقيق المؤشرات الصحية العالية العالمية وزيادة متوسط الاعمار بدون أمراض ، وتوجيه آكثر للاستثمار في التقنيات الحديثة والتكنولوجيا المتطورة ، والتعليم والتدريب الطبي والصحي المتقدم والمعتمد الذي يضاهي الجامعات والمعاهد والمراكز الطبية والصحية العالمية المتقدمة .

إن النظام الصحي هو إنعكاس مباشر لضمير الدولة والمجتمع ، وحين يبنى على جني الأرباح والثراء يضيع الانسان والمجتمع وينهار الاقتصاد ، وحين يبنى النظام الصحي على الحقوق والكرامة والإنسانية يضمن مجتمع سليم جسديًا وعقليًا وأخلاقيًا ..

د. علي المبروك أبوقرين

شاهد أيضاً

السعودية ودعت الكأس الذهبية 2025 عقب الخسارة أمام المكسيك

السعودية ودعت الكأس الذهبية 2025 عقب الخسارة أمام المكسيك

ودع المنتخب السعودي بطولة الكأس الذهبية 2025، المقامة في الولايات المتحدة الأمريكية، من الدور ربع …