منصة الصباح
حلبة الصراع على أموال الأزمة
حلبة الصراع على أموال الأزمة

حلبة الصراع على أموال الأزمة

حلبة الصراع على أموال الأزمة

بقلم: علي الدلالي

مر إعصار دانيال قبل أسبوعين على شمال شرق بلادنا، ضرب بقوة منطقة الجبل الأخضر، أفرغ مياهه الضارية والجارفة على مدينة درنة الزاهرة، مخلفا آلاف القتلى والمفقودين، وأضرارا كبيرة بالبنية التحتية في البيوت والطرقات والمدارس وشبكات الكهرباء والاتصالات والمياه والري والصرف الصحي والمستشفيات والمزارع والمراعي والثروة الحيوانية.

أجمع الخبراء المحليون والدوليون الذين التقيناهم في المدن المنكوبة على أن “الدولة الليبية”، إذا جاز التعبير، لا تملك الإمكانيات اللازمة للتعامل مع هذه الكارثة إن على مستوى عمليات الإنقاذ والبحث الأولية وإدارة الأزمة – باستثناء جهود “الفزعة” غير المسبوقة على المستوى الوطني، غربا وشرقا وجنوبا، إلى جانب هبة الدول الشقيقة والصديقة – أو على مستوى إعادة الإعمار.

لا يزال شبح الموت يخيم على المدن المنكوبة مصحوبا بوجع تئن منه الجبال، وحزن تعتصر من هوله القلوب، له أول وآخره بعيد جدا وقد لا يأتي أبدا، خاصة في درنة، ولا تزال فرق الإنقاذ والبحث تواصل عمليات استخراج الجثث من تحت الأنقاض ومن البحر، وإذ بنا نتفاجأ بمجلس النواب يجتمع بعد خمسة أيام أو أكثر ليقر ميزانية من 10 مليار دينار لإعادة الإعمار دون أية دراسة أو تقييم أو تحليل، كما قال الخبير الاقتصادي، فوزي ددش.

كان يتعين على هذا المجلس، ومجلس الدولة والحكومات ومن في حكمها، في اعتقادنا، التزام الصمت على الأقل لأنهم يتحملون قدرا لا بأس به من المسؤولية عن هذه الكارثة وكوارث أخرى أشد فتكا عصفت بالبلاد.

إن مصيبة ليبيا، بعد المجلس الإنتقالي الخائب، والحكومات الفاشلة، والمؤتمر الوطني الخاسر، تفاقمت مع مجلس النواب، منذ قدومه “غير المبارك” على ليبيا عام 2014، ويكفي أن نتساءل ببساطة : من وافق على حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج ثم انقلب عليها وتركها تدير الميزانيات طيلة خمسة أعوام دون أن يقوم بدوره الأساسي في مراقبة صرف تلك الميزانيات، من جاء بحكومة الثني ثم فككها، في صفقة لمصلحته، بعد أن أنفقت المليارات دون أن يحاسبها، من منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ثم انقلب عليها وشن عليها حربا لإزاحتها، من نصب حكومة فتحي باشاغا ثم قام بعزله وطلب ملاحقته، من نصب حكومة حماد ولا نستبعد أنه وقع قرار عزلها في نفس اليوم، إذا ما لاحت أمامه أية صفقة تمكنه من الإستمرار في السلطة، على حساب حاضر ليبيا ومستقبل أبنائها، وسط الموت والركام والأوجاع والأحزان والدموع. إنه ما يسمى بمجلس النواب الذي خرج وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مطلع هذا الأسبوع، في كلمة بلاده أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مدافعا بقوة عن استمراره فوق صدور الليبيات والليبيين، ومجددا رفض بلاده القاطع لتجاوز الدور التشريعي لهذا الجسم العاطل محليا والمعطل دوليا، وتحفظها على أية أطروحات بديلة تستهدف إلغاء دور المشرع الليبي واستبدال أجسام أخرى به، ومشددا على تمسكها بولاية السلطة التشريعية في ليبيا.

ألم يسمع وزير الخارجية المصري بأن السلطة التشريعية التي يُدافع عنها، لأسباب لا تخفى حتى عن الأطفال في ليبيا، تجاهلت دورها التشريعي بل وتجاوزته، ليدخل رئيسها، المستشار عقيلة صالح، إلى حلبة الصراع على إدارة أموال الكارثة التي ألمت بأهلنا في الجبل الأخضر، وتداعى لها سائر الجسد الليبي بالسهر والحمى؟

تعيش ليبيا لحظات قاسية جدا، وأكثرها قسوة على الإطلاق، عندما نرى بيوتا بسيطة آمنة كانت تأوي أهلنا، يلهو فيها فلذات أكبادنا، تزدان شرفاتها بالورد والياسمين، تحولت إلى قبور لهم أو جرفتها السيول المتوحشة ومعها كراساتهم وكتبهم وملابسهم وألعابهم، إلى البحر.

لم يتعظ نفر منا أمام هذه المشاهد الموجعة والصادمة وأطلقوا العنان لعاهاتهم المزمنة في البحث عن سُبل لزيادة نهب المال العام، بل ونهب مواد الإغاثة المحلية والدولية، ولم يُكلفوا أنفسهم مجرد التوقف لحظة للإنضمام إلى الهبة الشعبية الوطنية وتشكيل لجان مشتركة بين الحكومتين لإدارة الأزمة من درنة وتوحيد الجهود احتراما لذكرى أهلنا الذين غادرونا وإطفاء نيران الوجع التي تلتهم قلوبنا. ونتساءل هل لدى هؤلاء قلوب يفقهون بها، وأعين يبصرون بها وآذان يسمعون بها أم هم كالأنعام؟

رحل (دانيال) وترك آثاره الموجعة في قلوبنا … آثار لن تمحوها الأيام، وخلًف جرحا نازفا في درنة لن يندمل إلا برحيل جميع من في المشهد ومحاكمة المسؤولين عن الفساد والإهمال واللامبالاة على الأقل. وعلى هؤلاء الطغاة والفاسدين ألا يعولوا بعد اليوم عن صبر ليبيا التي ستلقي بهم في ظلمات بحرها ومغاور صحرائها دون صلاة ولا أكفان.

شاهد أيضاً

الابتزاز الإلكتروني ضد المرأة بين الواقع والمأمول

بقلم: آمنة الهشيك – أستاذة قانون تعد وسائل التواصل الاجتماعي أو الشبكات أحد أهم المكونات …