بوضوح
بقلم / عبد الرزاق الداهش
بول كاغامي، هو شخصية مليشياوية وفق القاموس الليبي.
تعرضت قبيلته إلى أكبر مجزرة في أخر القرن العشرين، راح ضحيتها ما يلامس المليون قتيل.
اختاره برلمان روندا (ما بعد الحرب الاهلية)، كرئيس لقيادة بلد كسرت ظهره المعارك الخاسرة.
رجل لم يخرج من رماد المأساة بخطاب القبائل الشريفة، أو المدن المنتصرة، وباقي مفردات معجم التمييز.
رجل لم يطلع علينا بلغة التخوين، والتكفير، ليضع الأخر كعدو للوطن ، أو لله.
قال كاغامي:
“لم نأت لأجل الانتقام، سنمسح دموعنا بيد وسنبني بالأخرى، ليس لأن من قتلوا يستحقون الغفران، لكن لأن الأجيال الجديدة تستحق العيش بسلام”
كانت رواندا المذابح الأكثر فضاعة، ورائحة الموت الشنيعة، وجهنم الحقد الرهيب.
ولكن رواندا المجزرة لم يعد لها وجود إلا في متحف الإبادة الجماعية الذي يزوره أكثر من مليون سائح في العام.
تشكلت لجنة الوحدة الوطنية والمصالحة على ارضية العدالة، والتسامح، ومنطق، لا غالب ولا مغلوب.
تحولت كلمات مثل الهوتو والتوتسي إلى مفردات كراهية محظورة التداول.
قدم المليشاوي الطيب كاغامي رؤيته رواندا (2020) على اساس الوحدة، والتنمية، والمعرفة، واقتصاد صناعة الثروة، لا توزيع الريع.
واليوم رواندا نمر دولي، يحقق أعلى نسبة نمو في العالم، وأفضل تعليم، وأقل نسبة بطالة، وأكثر شفافية، ومعدل فساد صفري.
واليوم رواند تصنع السيارات، وترسل الأقمار الصناعية للفضاء، ولا احد يرمي علبة مكياطة من زجاج السيارة، بل ينزل الناس كل يوم سبت لشوارع كيغالي لتنظيفها.
فماذا لو ارسلنا عدد من الليبيين إلى رواندا لدراسة محو الامية الوطنية، لفهم كيف تحولت الدولة المجزرة، الدولة العجزة.
أليس ذلك خير ألف مرة من دراسة مناكفات الفرزدق وجرير الشعرية في جامعات كوالالمبور، أو الشعر الشعبي الليبي في مدح القبيلة بجامعات باريس؟!