منصة الصباح
د.علي المبروك ابوقرين
د.علي المبروك ابوقرين

أعاصير الطبيعة وأعاصير البشر

أعاصير الطبيعة وأعاصير البشر

د.علي المبروك ابوقرين

إن التغييرات المناخية وإرتفاع حرارة الأرض جزء كبير منها من صنع البشر ، ومايحدث أسواء منها هو فعل الإنسان المتعمد في تدمير بيئته التي يعيش فيها ، وسيعيش أبنائه وأحفاده من بعده ، ولا يقتصر على تجريف الأرض والبناء العشوائي ، والبناء في الأودية والسهول ، وتلويث الشواطئ بالصرف الصحي والمخلفات بشتى انواعها ، وهدر المياه الصالحة للشرب والزراعة ، وإنما ما يمارسه البشر من أنشطة أقتصادية تدمر البيئة والصحة والحياة ، ومنهم تجاوز كل القوانين والأعراف والأخلاق بإغراق الأسواق بالسلع الفاسدة والأدوية المغشوشة التي تسبب الأمراض الفتاكة ، وامتدت يد الاجرام الممنهج في زراعة المحاصيل الزراعية المخالفة للمعايير البيئية والصحية ، وتسبب شتى أنواع الأمراض ، وكذلك في الثروة الحيوانيه ، والآلاف من الضحايا تموت بسبب كل ذلك ، وفي المقابل أعاصير بشرية اكثر تدمير بإتباع سياسات مدمرة للتعليم والصحة والنسيج الاجتماعي ، وتؤدي إلى إفقار الطبقة الوسطى ، وإنتشار الأمراض وزيادة الجهل في المجتمع ، ولا ننسى في القريب الذي شاهد جيلي عهده وعشناه عندما كانت الأمية تزيد عن 90% ، وعدد المؤهلين الجامعيين يعدوا على الأصابع ، ومدارس التعليم الأساسي شحيحة والتانوي والمعاهد مقصورة على بعض المدن ، وليس بمقدور الكل الالتحاق بها ،

للحاجة الملحة للعمل عند الغير ومساعدة الأهل ، والغالبية العظمى لا تعرف المبانى الاسمنتية ولا الكهرباء ولا تملك السيارات ، ومع بدايةً عجلة التنمية وبناء المدارس والمستوصفات والمستشفيات ، وجُلب أفضل المدرسين والمناهج التعليمية لكل المراحل الدراسية ، حتى لم يبقى طفل واحد خارج التعليم ، وأصبح التعليم العالي طموح الأجيال وتتسابق على كليات القمة وكل التخصصات العلمية ، وتقاطر معظم الخريجين على جامعات العالم العريقة لنيل إجازات التخصص كل في مجاله وعلى نفقة الدولة ، وأُستقدم أشهر وأمهر أساتذة الطب لتدريس وتدريب طلبة الطب والعمل بالمستشفيات المجهزة بأحدث التقنيات في حينها ، والتى عمت البلاد في كل المدن والقرى والأرياف ، والالاف من أطباء جيلنا ابتعثوا لأرقى جامعات العالم ودرسوا وعملوا بمستشفياتها ونالوا ارفع الشهادات العليا ، وعادوا أخصائيين وأساتذة ، ثم بداءت الأعاصير البشرية في تدمير التعليم الذي أوصلنا للمؤشرات التي لم يصلها معظم سكان العالم ، وتدمير المستشفيات التي حُرم منها أهلنا عقود وقرون طويلة وبنيت من أموال الشعب لعلاج مرضاهم وتعليم وتدريب أبنائهم ، ولم تدخر تلك الأعاصير البشرية المدمرة جهدا في إقتلاع جذور كل ماهو صالح للأمة ونهضة البلاد، وسَلّعوا الصحة وأمرضوا الناس بكل الأمراض الفتاكة التي يموت بسببها الآلاف سنويًا ، واخترعوا الأساليب الشيطانية في جلب وتوطين كل ماهو مدمر للأنسان والأرض والبيئة بحجج القطاع العام فاشل ، والتعليم والصحة حق للمقتدر فقط ، حتى الأصحاء نصبوا لهم الأفخاخ ودمرتهم أعاصيرهم ، تبيعهم بطاقات التأمين الصحي والعلاج في علم الغيب ، وهاهم الضحايا بالملايين تنهشهم الأمراض ويملاؤون أسواق الصحة المفتوحة لأجلهم في الداخل والخارج ، وتتعاظم المؤسسات الاقتصادية الصحية بأمراض الناس ، وتتنافس دعائيا بين بعضها وتطارد المرضى في الشارع ووسائل التواصل والبيوت والإعلام أحسن مصحة واشهر طبيب وأفضل جهاز كمن ينادي على سلعة بائرة في أسواق الأجداد المفتوحة ، وعشرات الآلاف خسروا بيوتهم وممتلكاتهم دون الحصول على علاج ، وضاعت الرسالة الإنسانية ، وحُرم أبنائنا من تعليم جيد متقدم في كليات وجامعات حديثة متكاملة داخليًا ولا أخدوا نصيبهم كالأجيال التي سبقتهم والتحقوا بجامعات عالمية معروفة ، ولا سُمح لهم بنيل التخصص والتدريب في مستشفيات جامعية مرموقة ، وانما اجبروا بالأعاصير البشرية أن يكونوا تحت رحمة دواماتهم بأسماء الزمالات المحلية والعربية ، وأبنائهم أقصد الأعاصير يدرسون في الجامعات العالمية ، وكذلك يعالجوا مرضاهم في أرقى المستشفيات الأوروبية ، حتى خصصتهم لم تروق لعلاج مرضاهم فيها ، وكانت الدولة مسؤولة عن الدواء والغذاء ومصادرها وصلاحية استعمالها ، وكيف يتم تداولها ، وليس كما هو الحال محاصر المواطن بين السلع والأدوية الفاسدة والمغشوشة ومنتهية الصلاحية والمهربة والمخزنة بطرق مخالفة للمواصفات والمقاييس وكم من الآلاف يفقدون أعمالهم وصحتهم وحياتهم جراء ذلك ، والأعاصير كلها مدمرة ولكن الطبيعية بالإمكان تفادي أضرارها وتخفيف اثارها اذا لم نبتلي بالأعاصير البشرية التي حرمت الأمة من الحياة الكريمة والتعليم الجيد ، وتركت الناس تتدبر شؤونها وفق إمكانياتها ، وتصرف المجارى في البحر وتكدس المخلفات أينما كانت في وادي وسهل .

ودانيال لم يأتي فجأة والسدود معطوبة من مدة ، والأودية صارت أحياء وقرى وحضائر ، والمستشفيات مهجورة والعام تحول الجمل بما حمل للخاص ، والخزينة العامة تنفق باستمرار على صحة لا تعمل ، وصيانات سدود وطرق وكباري لم ولن تتم ، وحتى عندما غرقنا في وحل وبحر أراده لنا غيرنا لم نجد من ينقدنا لولا إستنجدنا ، ولولا فزعة بني جلدتنا ،
وقدر الله وما شاء فعل ، وأعاصير الطبيعة مرحبًا بها ومقدور عليها ، وأعاصير البشر أكثر فتكًا وتدميرًا أعاننا الله عليها ….

حفظ الله أمتنا وبلادنا من أعاصير الطبيعة والبشر..

 

شاهد أيضاً

الـولاء للـــوطن

مفتاح قناو لا يمكن للمواطن الليبي العاشق لتراب هذا الوطن أن يكون شيئا أخرا غير …