زايد..ناقص
بقلم / جمعة بوكليب
القول بأن « السفر قطعة من عذاب» رغم مصداقيته، في أزمنة ماضية، لم يعد يتناسب وظروف السفر في عالمنا الحالي. وهذا بدوره يقود، منطقياً، إلى: المطالبة بمراجعته، و تعديله، أو حزمه في لفافة، ووضعه على رفّ في مخازن الأقوال المهجورة ، لعدم تناسبه مع ظروف الأسفار في القرن الحادي والعشرين.
السفر، في عالمنا اليوم، متعة، ورياضة فكرية وروحية، وسياحة ميسّرة في بلدان الدنيا، هرباً من روتين العمل اليومي، والركض واللهاث وراء متطلبات الحياة الأسرية، والبحث عن حفنة اكسجين أقل تلوثاً، وأكثر انعاشاً تعيد للقلب طراوته، وللروح انطلاقها وبهجتها، وللمرء ما فقدَ من مركبات وعناصر ذاته المتشيئة، في عالم يزداد تعقيداً، وتزداد فيه الحياة صعوبة، وليس له فيه من مفر سوى الانضمام إلى غيره من بني البشر، والخوض معهم إن اراد الاستمرار في العيش على وجه البسيطة.
والسفر صناعة ضخمة، بشركات عالمية كبيرة، وأخرى محلية، ووكالات وشركات طيران …الخ، وبأصول ثابتة، ومتحولة، ومليارات الجنيهات. لذلك، تحرص حكومات مختلف دول العالم على أن يكون لها وزارة خاصة بالسياحة، بهدف استقطاب السواح. بل أن هناك دولاً تعتمد ميزانياتها على هذا القطاع.
هواية حب السفر، ليست جديدة، بل ضاربة في القدم، لكن عشاقها في عالمنا اليوم أكثر انتشاراً وعدداً، وأوفر حظوظا. فالمسافر إلى مدينة، في بلد ما، تتوفر له كل وسائل المعرفة والاطلاع على جهته المقصودة. فبامكانه اليوم اقتناء العديد من الكتب المعدة من قبل كتّاب متخصصين في السفر والرحلات، يقدمون له مايحتاجه من معلومات، وما يريد اشباعه من فضول.
السفر، اليوم، لا يكون قطعة من عذاب، إلا في حالات استثنائية جداً. كأن تعلن شركة سفريات افلاسها، أو تتعرض وسيلة السفر إلى حادث ما، أو حدوث كوارث طبيعية في الجهة المقصودة، أو انفجار فجائي لحرب، أو تعرض المسافر لوعكة صحية أو سرقة تأتي على كل ما لديه من مال ومتاع وأوراق ثبوتية رسمية.
السفر قد يكون، كما أثبتت الأحداث مؤخراً، ليس قطعة من عذاب، بل مغادرة نهائية من العالم الدنيوي، خاصة في المناطق المتوترة سياسياً، ولدى بعض الانظمة السياسية التي لا يهمها البشر بقدر ما يهمها إطالة عمرها، ولنا فيما حدث في الأيام الماضية في مطـــــــــــار طهران – بايران خير شاهد، وقبلها ما حدث للطائرة الماليزية على الحدود بين اوكرانيا وروسيا. الغريب أن السلطات الايرانية سعت بكل ما تملك إلى انكار أن قوات حرسها الثوري هي من اسقط الطائرة المدنية بصاروخ، لكن حين ظهرت الادلة مؤكدة على ذلك، عبر ما التقطته الأقمار الصناعية، وما توفر على الأرض من بقايا حطام الصاروخ، لم تجد بُداً من التراجع، والكف عن الكذب، والاعتراف بالمسؤولية.
المثير للاهتمام أن السلطات الروسية، مازالت مصرة، إلى يومنا هذا، على تكذيب ما توفر من أدلة تؤكد تورط القوات المؤيدة لها في اسقاط الطائرة الماليزية، بركابها وطاقمها من المدنيين الأبرياء. الذين منّا تورطوا في وجودهم في طرابلس، خلال الشهور الأخيرة، التي شهدت حروب الاخوة – الأعداء، ولم يستطعوا السفر نظراً لتعطل المطارات، وتعرض المنافذ الحدودية البرية للاغلاق والفوضى، وغيرها من الأمور سيئة الصيت، بامكانهم الآن، بعد استتباب الهدنة، تنفس الصعداء، والاستعداد للطيران والرفرفة في سموات أخرى، بعيداً عن أجواء التوتر الذي لازمهم طيلة شهور. لكن، ايضاً، عليهم ألا ينسوا، مطلقاً، حقيقة أن السلام والاستقرار أساسيان لحياة البشر، ولتقدم العمران، وللحضارة، وأن الحروب، تحت أية ذريعة، لايستفيد منها سوى تجار الحروب.