(انس الفقي)
” اللهــم رب الســموات الســبع و رب الأرضيــن الســبع ، أن تجعــل كل مــن حفــر لليبيــا حفــرة يكــون مغالقهــا راســه ”
“الرايس درغوت باشا “
أزمــة حــق المواطنــة الليبيــة هــي واحــدة مــن القضايــا التــي تتعلــق بالهويــة الوطنيــة الليبيــة، وتركهــامــن دون تشــخيص أو معالجــة يجعــل مــن القضيــة مبتــورة وناقصــة ومــع ذلــك فالمحــرك الرئيـس لفرضيـة السـلطة الأجنبيـة الحاكمـة لليبيـا والتشـكيك فـي مواطنـة مجموعـة مـن الليبييـن عنـد البعــض؛ ناتجــة مــن وحــي خيــال الثقافــة الشــعبية الســائدة والحــق فــإن ليــس كل مــا جــاء فــي أدبيــات الثقافــة الشــعبية حقيقــة ثابتــة، بــل إن جــزءًا كبيــرا ممــا تحملــه الثقافــة الشــعبية مبنــي علــى أقاويــل واشــاعات وأكاذيــب تواتــرت أثنــاء وبعــد فتــرة الصراعـات القبليـة والحـروب الأهليـة التـي عاشـتها ليبيـا فـي حقـب مختلفـة مـن تاريخهـا الحديـث ،
ثـم تشـكيك الثقافـة الشـعبية فـي حـق المواطنـة الليبيـة تجــاه مكــون قبلــي أو عائلــي ليبــي لا يجــوز التســليم علـى أنهـا مسـألة ظرفيـة عابـرة سـتمر مـرور الكـرام ، فخطـورة مثـل هكـذا مزاعـم تكمـن فـي كونهـا تشـكل ً تهديـدًا مباشـرا بتمزيـق النسـيج الاجتماعـي واربـاك الســلم الأهلــي وماتســببه مــن اقتتــال أهلــي طاحــن والثارتهـا لنزعـة الانفصـال والتقسـيم ،
لذلـك ينبغـي أن تكــون أزمــة حــق المواطنــة الليبيــة علــى رأس أولويـات القضايـا التـي مـن الواجـب طرحهـا للنقـاش وتصحيــح مســارها حمايــة للأمــن الوطنــي الليبــي ودفعــا للبــلاء .
الحقيقــة أن ليبيــا قــد تشــكلت مــن جديــد مــع أوائــل القــرن الســادس عشــر الميــادي وانصهــرت فــي بوتقتهــا جماعــات مــن ذوي الأصــول التركيــة داخــل مكــون قبلــي أطلــق عليــه فيمــا بعــد قبيلــة ” الكراغلـة“ ّ وتمكـن هـذا الفصيـل القبلـي مـن الاندمـاج داخـل المجتمـع المحلـي وتكيـف بصـورة سلسـة مـع ثقافــة البيئــة المحليــة فــي كل شــيء ، فيمــا يتعلــق باللهجـة المحكيـة والعـادات والتقاليـد وحتـى المـأكل والملبــس وهــذه الظــروف لــم تتوفــر فيمــا يبــدو للطائفــة التركمانيــة بالعــراق وراح هــذا الانصهــار البيئـي يمتـد ببـطء خـلال 150 سـنة مـن بعـد اجـلاء فرســان القديــس يوحنــا عــن طرابلــس ســنة 1551م ً المعـروف تاريخ ّ يـا أن المكـون القبلـي -للكراغلـة- يضــم تنوعــات قبليــة أخــرى وهــذه الاندماجــات ناتجــة عــن تغيــر التحالفــات والــولاءات التــي تــزدادوتيرتهــا مــع زيــادة الاحتقانــات والصراعــات القبليــة ويشــير شــارل فيــرو القنصــل الفرنســي فــي كتابــه ”الحوليــات الليبيــة“ إلــى انصهــار الكراغلــة فــي البيئــة المحليــة عنــد الحديــث عــن انصهــار العائلــة القرمانليـة بالمجتمـع الليبـي،
فلـم يبـق حسـب قولـه للعائلــة القرمانليــة مــن صفــة الأجنبــي ســوى اللقــب التركـي فقـط وتتضـح مـن رسـالة غومـة المحمـودي الزعيــم القبلــي المعــروف ومجموعــة مــن المشــائخ و الأعيــان إلــى الســلطان العثمانــي بعــد الاحتــلال التركــي لليبيــا ( -1835 1911 )يطلبــون فيهــا تعييــن والـي ليبـي عليهـم حقيقـة انصهـار العائلـة القرمانلية وغيرهــا مــن العائــلات المنتميــة لقبيلــة الكراغلــة فــي المجتمــع الليبــي حيــث تنــص هــذه الفقــرة مــن الرســالة علــى التالــي:-”
فالمأمــول مــن خصلكــم العلــي أن يكــون تعيــن الباشــا مــن هــو الأحــق بهــا مــن قديــم الزمــان ً وخدامهـا سـلفا عـن خلـف و هـو عربـي مـن جنسـنا مــن البايــات مــن الســادات القرمانلييــن لانهــم يعرفوننـا و نعرفوهـم و يعلمـون طبائعنـا و يسوسـونا ًطبقــا لإرادتكــم العليــة ” وحيـن تقـر رسـالة الشـيخ غومـة المحمـودي بـأن العائلــة القرمانليــة مــن جنســنا، فهــذا يؤكــد فكــرة قبــول أعيــان و مشــائخ المجتمــع الليبــي بأحقيــة العائلــة القرمانليــة بالمواطنــة الليبيــة،
فحيــن تقــرن الرســالة الســابقة ؛ العائلــة القرمانليــة بالجنــس العربــي فهــي بالطبــع ليســت متأثــرة بالتيــارات الأيدلوجيـة القوميـة التـي انتشـرت فيمـا بعـد خـلال عقــود القــرن العشــرين وحقيقــة أصــول العائلــة القرمانليـة التركيـة ليسـت خافيـة علـى أحـد فـي تلـك الحقبـة ولكـن المغـزى مـن وراء كلمـة ”جنسـنا“ يوحي ِ بــأن العائلــة القرمانليــة عائلــة ليبيــة صرفــة، تملــك جميــع حقــوق المواطنــة الليبيــة والأمثلــة التاريخيــة عـن انتمـاء العائلـة القرمانليـة لوطنهـا ليبيـا لا تتوقـف عنـد هـذا الحـد، فالضابـط إبراهيـم القرمانلـي ابـن العائلـة القرمانليـة قـد استشـهد فـي معركـة أبومليانـة الشــهيرة ضــد قــوات الغــزو الايطالــي ســنة1911م