ميلاد اليونسي
ذهبت لشقة جدتي في أحد أزقة العاصمة، الكهرباء منقطعة و نفذت بطارية هاتفي و ليس لدي اي كتاب معي حاليا، مما يعني أنني سأجلس بمفردي لا اقوم بفعل أي شيء و ذلك لا يبشر بالخير، فبعد لحظات ستشن الافكار و الذكريات هجوما عنيفا مما سيسبب لي صداعا حاد حتى تصبح لدي رغبة في تحطيم رأسي على الجدار، أجلس اشاهد الوقت و هو يمر ببطأ شديد مما يسبب لي نوعا من التنويم المغناطيسي الذي يجبرني على النوم.
استيقظ فأجد أن الكهرباء عادت، أضع هاتفي في الشاحن و اجلس لمشاهدة بعض الأفلام و المسلسلات التي قمت بشرائها مسبقا، أبقى على هذا الحال لمدة خمس ساعات كل ما افعله هو مشاهدة التلفاز و الاكل، و كأنني رجل بدين مصاب بالإكتئاب، إلا انني نحيف و مهما جلست و اكلت فلن يزداد وزني جراما واحدا.
أنزل لتضييع بعض الوقت في منزل عمتي، لكن يجب أن أحدد اوقاتا معينة و احسب الساعات التي استغرقتها عندهم لأتجنب أن أصبح مملا أو معتادا، لا أريد أن أكون عبئا على أحد فذلك يشعرني بنوع من الإهانة.
حسنا يبدو أنني استغرقت وقتا طويلا عندهم فقررت أن اخرج قليلا و ابحث عن مقهى، شوارع ضيقة و مباني متلاصقة بإرتفاع أربعة عشر مترا تشعرك بأن الجميع ينظر إليك من الأعلى، هذا ما يفعله الجميع هنا في الواقع، من شدة الملل تجدهم جميعا ينظرون للشارع و يعرفون كل شخص يخرج و يدخل و يعرفون متوسط عدد السيارات التي تعبر خلال هذا الشارع يوميا، إنهم اشبه بإستخبارات متخفيين في صورة عائلات بسيطة تعيش حياتها الطبيعية، و بينما أنا متجه للمقهى تأتي سيارة مسرعة و كأنها تريد دهسي، فأقفز إلى جانب الطريق لأجد أن قدمي غارقة في مياه تبدو أنها مياه صرف صحي، رائع جدا و الآن حتى تاجر مخدرات لن يستطيع تعديل مزاجي و ليس كوب قهوة فقط، أتقدم قليلا ثم اتوقف محاولا تنظيف حذائي فتنهمر على رأسي مياه باردة، يبدو أن إحداهن تنظف البلكونة، فقط حاول الشجار معها و ستتحول المنطقة كلها إلى وكر عصابة مكسيكية.
ربما المكان ليس بهذا السوء، ربما أنا معتاد على الهدوء و الوحدة، ربما الجميع طبيعيين و أنا هو الغريب، لست متأكدا من أي شي حاليا إلا شيء واحد، و هو لو أنني أعيش هنا لأصبت بالجنون على الارجح.