منذ الإعلان عن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “إسماعيل هنية” في طهران، تنافست المواقع الإخبارية في تخمين سيناريوهات الاغتيال وسط صمت رسمي من قبل اسرائيل التي اعترفت قبل يوم من ذلك باغتيال القيادي في حزب الله “فؤاد شكر” الذي رصدت الإدارة الأمريكية جائزة للوصول إليه وصنّفته ضمن قائمة المتهمين بالإرهاب، في غارة جوية على جنوب بيروت.
وتشير أغلب وسائل الإعلام إلى أن الاغتيال تم بواسطة صاروخ أصاب مقر إقامة “هنية” في الطابق الرابع من المبنى الذي يقيم به ضيوف آخرون من قيادات حركة حماس ومن غيرهم، لكنه استهدفه ومرافقه الشخصي فقط، ومع الإدانات العربية والإسلامية والتهديدات بالرد والثأر، تطرح القصة برمتها عديد الأسئلة، بانتظار ما ستسفر عنه التحقيقات من نتائج.
لم تتبني إسرائيل العملية، لكن الإصرار على اتهامها يعني الاعتراف بالحجم الذي وصلت له جرأتها خارج حدودها، خاصة وأنها قصفت في أبريل الماضي مقر القنصلية الإيرانية في دمشق وتسببت في مقتل قادة إيرانيين كبار، ويبدو أن الرد الإيراني على هذا القصف بغض النظر عن كيفيته وجدواه لم يؤثر في السياسة العسكرية الخارجية لها إذ وصلت يدها حتى لضيوف إيران المهمين في عقر عاصمتها.
وبرغم غياب رمزين مهمين من رموز السياسة الإيرانية وهما الرئيس الراحل “إبراهيم رئيسي” ووزير خارجيته، إلا أن برنامجها النووي مازال مستمرًا مشكلا القلق الأكبر لإسرائيل في المنطقة ولا سبيل لإعاقته إلا جر إيران للحرب بأي وسيلة، والضغط على رئيسها الجديد لاتخاذ قرارات تحقق هذه الأمنية ليس بغرض القضاء على الحلم الإيراني بدخول النادي النووي من بابه الواسع فحسب، بل القضاء عليها كليا كثقل اقتصادي وأيديولوجي في المنطقة.
وهذا يقودنا للتفكير حول من الذي أعطى احداثيات الرجل بدقة لمطلقي الصاروخ؟ وكيف اجتاز الصاروخ كل الدفاعات الجوية؟ ولماذا لم يتم استهداف كامل قادة حماس بالمبنى؟ ومن الذي أعطى الدعم الدولي لتنفيذ العملية؟ ويقودنا هذا للسؤال حول ما أثير عن علاقة الراحلة “لونا الشبل” مستشارة الرئيس السوري وشقيقيها بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق، إذ يظهر من خلال اغتيال “إسماعيل هنية” أن ما يدور في طهران وبعد غياب “الشبل” أخطر على إيران مما يدور في قصر الأسد، ويشكك في حجم القدرات الامنية والدفاعية والاستخباراتية لديهم.
وبمعاينة مكان الجريمة مؤكد أنه تمت معرفة نوع الصاروخ ومصدره ومكان إطلاقه ووسيلة الإطلاق، ونحن بانتظار إعلان نتائج التحقيقات، وبانتظار معرفة الرد الإيراني على هذا الاختراق الأمني الخطير لاسمها وسمائها، ومعرفة رد (حماس) فأمان قادتها حتى في الدول التي لا ترتبط بحدود مع إسرائيل بات في خطر والاغتيالات لم تعد بواسطة عملاء للموساد يتعاملون شخصيا وسرا مع الضحية، صار الأمر يدار بالتكنولوجيا وعن بعد.
ويبقى أن نعرف كذلك التقييم الروسي والمصري والسعودي للحادثة، وردود فعل تركيا التي هدد رئيسها إسرائيل بالتدخل العسكري على غرار ما فعلت في ليبيا وقره باغ قبل العملية بنحو 3 أيام فقط! واخيراً.. من صاحب المصلحة المباشرة والعليا في ازاحة “إسماعيل هنية” رحمه الله؟ وما تأثير غيابه على المفاوضات مع حماس؟