منصة الصباح

بلا رذيلة وغير قابل للفساد

أحلام محمد الكميشي

كتب أحدهم وصفًا لرئيس عربي راحل أنه (بلا رذيلة وغير قابل للفساد).. وهذه صفات أكثر من رائعة عندما يأتي صاحبها لخطبة أختي او ابنتي.. عندما يشاركني في صفقة.. عندما يتوفاه الله ويبعثه للحساب.. لكنها لا تكفي عندما نتحدث عن إدارة بلاد وقيادة شعب يكافح للنضج على مواقد الزمن، وشخص واحد مهما كان زعيمًا وقائدًا وملهمًا لن يتمكن من فعل الكثير إن لم يكن حوله فريق ذو كفاءة قيادية عالية يمكنها صنع تغيير مثالي يلبي طموح كل الشعب.

تمر علينا تواريخ ارتبطت بثورات ما، فتتحرك المشاعر والأقلام بين من يرفع رموزها إلى مصاف القديسين ومن يهبط بمن يكرهه منهم إلى أسفل سافلين، والغريب هو الإصرار على رؤية الأمور من منظور العاطفة والحديث عنها بمنطق الشعبوية المنغلقة على نفسها خارج نطاق الفكر والموضوعية، والأغرب أن هذه الرؤية هي نفسها عند التعامل مع كل الأحداث والوقائع فبدلا من تحليلها بموضوعية دقيقة لاستخلاص العبر والدروس، نجد أن العقل الجمعي غالبًا ما يستسلم لرمزية القائد والزعيم البطل الخارق مختصرًا كل شيء في صورته معاديا كل من ينتقده أو يحاول تحليل قراراته ومواقفه بعيدا عن ثنائية الحب والكره.

مشكلة الثورات والتي يسميها معارضوها انقلابات أنها تتحدث نيابة عن الفقير وبإسمه، ثم عندما تنجح تزيده فقرا في محاولة قادتها ورفاقهم أو من التحق بهم من المتسلقين إدارة البلاد.. ومشكلة أي بلاد أنها بلاد لكل شعبها الأغنياء والفقراء على حد سواء، لكن الثورات تزيد الفجوة بين الفريقين بعد أن تنجح في ضخ خطاب شعبوي يستميل الفريق الأكثر عددا ويزيد جذوة الكراهية والحقد الطبقي.. ثم ماذا؟

يولد أغنياء جدد من رحم التسلق والارتزاق ولادة قيصرية صعبة تترك ندوبها الغائرة في سلوك المولود، وهؤلاء هم الذين ينجحون بسرعة وخفة في عبور الخندق بين التضحية والربح، والنتيجة أن الغني القديم يهرب بأمواله أو يموت في السجن أو على سرير المرض بعد مصادرة أمواله وقطعًا لا تدخل كلها في خزينة الشعب إذ سرعان ما تتلقفها جيوب وملاعق المتدثرين بعباءة الثورة دون أن تكون الثورة أمًا حقيقية لهم بعد أن يتمكنوا من إبعاد أو محاصرة جُل القادة الحقيقيين للثورة، وارتداء قناع الوطنية أمام من لم يستطيعوا إقصائه من زعمائها والذين استلموا بطبيعة الحال مقاليد الأمور، ويزداد الفقراء فقرا وعددا.. وتعود البلاد للدوران في مدارات تكاد تكون نفسها بتبريرات مختلفة ولابد من التصديق أنها المدارات الأفضل والأقرب للتحرر من أفكار العهد البائد الذي مزقت الثورة خريطته ثم أعادت تدويرها في خرائط أخرى.

الثورات التي نجحت في العالم لم تكن آنية ولا شخصية وكان أكثر أسباب نجاحها ملائمة الظروف العالمية للنجاح ثم تجربة شعوبها التي ولّدت لديهم رغبة حقيقية في التغيير الأفقي وليس العمودي، لكن لا بأس مازلنا نتعلم وأعمار الشعوب أمر مختلف عن أعمار البشر.. والتغييرات الحقيقية تحتاج لأجيال وليس لجيل

شاهد أيضاً

العقوبة المقررة لتزوير نتائج الطلاب في القانون الليبي ….

  انهيار الدولة أو ازدهارها يتوقف على جودة التعليم ونزاهة المعلم  “وتدمير أمة لا يحتاج …