منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية
مقالات مشابهة
تتواصل التحليلات بشأن الحرب الإيرانية-الإسرائيلية الأخيرة والدور الأمريكي في اندلاعها وتوقفها، ويتابعها كثيرون من منظور العاطفة بمعزل عن التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط كمحيط مباشر والمجتمع الدولي كمحيط أشمل، وعن السياق الزمني الراهن، وتأثير مصالح كبرى شركات السلاح والتكنولوجيا، ويصر البعض على قراءتها فقط في إطارها الديني أو الأيديولوجي القديم أو الحديث.
حرب خاضتها أطرافها على مستويات متداخلة: عسكرية، إعلامية، سياسية، دبلوماسية، استخباراتية وأمنية، ولم تكن مجرد تبادل محسوب للصواريخ أو قصف بالطائرات، بل كانت اختبارًا لإرادات إقليمية ضمن حدود الممكن في معادلة الردع، ومناورة حية لتجريب المنظومات الهجومية والدفاعية بغرض تطويرها، وحملت رسائل واضحة لأنظمة الحكم في المنطقة: الخطر قائم، والحماية واستمرارها لهما ثمن، وتمكّن كل طرف من توجيه الرأي العام الداخلي وحشد الالتفاف حول السلطة وتعزيز بقائها عبر إقصاء المعارضة مؤقتًا، وبطبيعة الحال، حركت أسعار النفط وغيرها من المؤشرات الاقتصادية بما ينعش الأسواق الراكدة، وكانت فرصة لإعادة قراءة الموقف وتطوير خريطة المصالح وتقاطعها مع المبادئ وما يستلزم ذلك من تعديل في منظومة الحليف والعدو بكامل دول المنطقة.
هناك أسئلة لا بد منها: كيف يمكن لدولة أن تعتدي على أخرى وكلاهما عضو في الأمم المتحدة، ودون أن يبحث مجلس الأمن ذلك، خاصة وأن أمريكا المحمية بحق الفيتو تدخلت عسكريًا ولم تبق على الحياد؟ ما حدود حضور وغياب القانون الدولي العام؟ ولماذا اختارت إيران أن تقصف قاعدة في قطر وهناك قواعد أقرب لها جغرافيًا؟ وهل يُعدّ قصف قاعدة أمريكية اعتداءً على دولة في حلف الناتو يستجلب معاداة كل دول الحلف، أم أن العبرة بمكان الاعتداء لا بتبعيته؟ ورغم قصر مدتها، فتحت هذه الحرب ملفات ثقيلة كمستقبل الصراع الإقليمي والأيديولوجي في الشرق الأوسط، وقدرة واشنطن على ضبط التوتر بعد تعثّرها في المسألة الأوكرانية، وصولًا إلى حدود “الخطوط الحمراء” التي لا يجرؤ أحد على تخطيها، وبعيدًا عن السرديات الجاهزة، لابد من الذهاب بالتحليل لعمق أبعد من مجرد ما أعلنه كل طرف من استفادة وخسارة، مع الاعتراف بصعوبة ذلك بسبب التعتيم المتعمد على كثير من الحقائق.
