أحلام محمد الكميشي
يتأخر المطر فيقلق الجميع ويهرعون لتأدية صلاة الاستسقاء كي تهطل الأمطار والتي تختلف بشأنها حسبة كل من الفلاح والبحار، وفي بلادنا ينضم لهما السائق مهما كان نوع سيارته فهي غير مهيأة للسباحة والغوص.
كل عام يأتي الشتاء وإن تأخر، ومع تحذيرات مراكز الأرصاد الجوية المحلية والدولية قبل العواصف والمنخفضات الجوية لكننا في كل مرة نغرق ويموت البعض جرفًا بالسيول!! وندخل الطرق السريعة بسيارات لا تخرج أغلبها إلا برافعة أو ساحبة صوب الورشة أو (الرابش) ويضطر الركاب للوقوف فوق أسطحها اتقاء السباحة في مياه اختلطت مع مخرجات الصرف الصحي التي تنفجر نوافيرها فجأة ودون سابق إنذار في منتصف الطريق الغريق.
طرقت العاصفة طرابلس وغرب البلاد يومين، بعد أن تسقّط المواطن أخبارها عبر مختلف وسائل الإعلام تطمئنه منشورات وإعلانات مؤسسات الدولة عن جاهزيتها لاستقبال العاصفة واستعدادها لمواجهتها، حتى أن البعض أخرج لسانه ساخرًا من العاصفة كلما مرّ بتحذير ومصفقًا بحرارة كلما قرأ وسمع عن الجاهزية المطلقة لمواجهتها وتخيل أن استعداداتنا سوف تروض هذه العاصفة دون أن يشكك في ذلك لحظة، حتى برغم ما تستحضره ذاكرته من مشاهد الغرق والوفيات وتلف الأرزاق في السنوات السابقة، وإمعانًا في تصديق مؤسساته الوطنية انطلق بسيارته لأحضان الطريق السريع ومختلف الطرق الجبلية والزراعية وكله ثقة، لكن العاصفة ردت له حركة إخراج اللسان وزادته فوقها صفعة على قفاه وخرمًا في جيبه لا ترتقه المرتبات ولا الهبات.
لماذا لم تتم مراقبة الطرق ومنع مرور السيارات خلالها بعد تحولها لطرق غريقة تحتلها مستنقعات تبتلع السيارات بما فيها؟! ولماذا لم يتم تثبيت سياج معدني على المنحدرات يقي المارة من الانجرافات وانهيار الصخور؟! ولماذا في كل عام تعجز شبكة الصرف الصحي عن ابتلاع الماء قبل أن تقلع السماء؟! ومع أن هذه المشاكل تحدث لغيرنا من البلدان ومنها دول الجوار حيث تصلنا المقاطع المصورة التي توثق معاناة الأهالي من السيول والفيضانات وانجراف التربة والمساكن والمزارع، لكن ما يعنينا هو لماذا يحدث هذا في بلادنا، هل هو أمر طبيعي يمر به الجميع من فلوريدا إلى جزر القمر؟ أم هو نتاج مسؤولية تقصيرية استنزف مرتكبوها الملايين وقدموا لنا الخطأ الذي أنتج ضررًا يضعهم تحت سيف القانون والعدالة؟
نتابع أعمال توسعة الطرق العامة واستكمال مراحل الطريق الدائري الثالث وما صاحب ذلك من إقفال لبعض الطرق وإزالة للجسور ونشر للزحمة، فيما تساؤل كبير يطرح نفسه بقوة، هل سيكون لكل هذا نفس البنية التحتية ونفس العقلية في تصريف مياه الأمطار، أم أن التجربة السنوية المتكررة آن لها أن تعلمنا تقوى الله عند تنفيذ أي مشروع والصدق عند إعلان الجاهزية.
وفي الوقت الذي نتوجه فيه بالتحية والتقدير لكل فرق الإنقاذ والأمن التي ألقت بشبابها ومعداتها وسط الفيضانات لانتشال الناس وإنقاذ الأرواح والممتلكات، نتوجه فيه بالمساءلة للمسؤولين عن تكرار هذه المعاناة والمآسي مع كل زخة مطر مستفهمين عن الهوة بين المصروفات والنتائج.