أحلام محمد الكميشي
مضى أكثر من أسبوعين وأزمة المصرف المركزي بين شد وجذب على الصعيدين المحلي والدولي.. واختلفت آراء الناس مع أن أغلبها يستنكر على “الصديق الكبير” بقاءه في المنصب لأكثر من 10 سنوات مرّت فيها ليبيا والمنطقة والعالم بعديد التغييرات سياسيًا واقتصاديًا، ولسان الحال يقول له (ارحل) وهذا ذكرني بسنة 2011م عندما تعالت الصيحات (ارحل.. ارحل.. الشعب يريد إسقاط النظام) دونما رؤية واضحة ومؤكدة حول ما سيكون بعد هذه ال(ارحل) أو المقصود بإسقاط النظام.
هل القصة كلها في رحيل شخص أم في ثورة جذرية هدفها تحسين وتطوير سياستنا المصرفية بالكامل وفق معطيات العصر؟ وهل ستنحصر في رحيله أم ستتعدى إلى من الذي سيقود هذا الترحيل؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومَن سيأتي وماذا سيكون بعد رحيله؟ وهل يتوقف الأمر عند رحيل المسؤولين أم أن المحاسبة والمساءلة هي أول معالم الحرية والديمقراطية والعدالة بشرط أن يتم تنفيذ الأحكام فعليًا وتمتنع دول العالم عن استضافتهم ان تدبروا أمر مغادرة البلاد خلال أي من مراحل المساءلة أو تنفيذ الأحكام في حال الإدانة؟
منذ استلام “الكبير” لمنصب المحافظ وتفرده بالقرار لا شك أنه أنشأ نظامه الخاص وجعل من وجوده على هرم هذا النظام (مسمار سنمار) تماما كما فعل (القذافي) وغيره من رؤساء أنظمة الرأس الواحد والشعب المنقسم بين متملق ومنتفع وساكت، تأميم بنك روما كان أسهل وأقل ضجة وتدخلا محليا وإقليميا ودوليا.. القصة ليست إقالة محافظ لمصرف مركزي، إذ يبدو أنها أعمق وإلى حد استعادة البنك من نظام تداخلت في تكوينه عديد القوى، وبدا وكأنه تم اختزاله لخدمة الإقطاعية وتقديم المساعدات الخارجية، والقصة ليست إغلاق حقول نفطية بقدر ما هي دعوة ملحة لثورة اقتصادية حقيقية تحرر اقتصادنا من الاعتماد الكلي على النفط وتمنع تداخل المصالح بين المنفعة الشخصية والوظيفة العامة سواء اقتصادية أو مصرفية أو سياسية وتدفع المسؤول لدعم برامج اقتصادية أخرى وحقيقية ومنع رفع الأسعار والمضاربة على قوت المواطن.
والقصة ليست تسييل مرتبات على الأحمر لصناعة رضى شعبي آني زائل، بقدر ما هي العودة بالبنك لخدمة كل الليبيين وتنفيذ القوانين وكل أحكام القضاء، وأن الاعتمادات يجب ان تكون لدعم الانتاج والتصنيع والزراعة وليس لتكريس وتوسيع الاستهلاك وتصريف منتجات الغير على حساب اقتصادنا وأموالنا وسياساتنا المصرفية والاقتصادية، وأهم ما في القصة أن التغيير دونما وعي هو محطة في طريق الفوضى كذلك دونما وعي، وزج بالمواطن في طريق مجهول دونما بوصلة أو إنارة أو خريطة، وأن الزمن لا يعود للوراء لكن الانسان قد يعود ان لم يتعلم الدرس ويستفيد من التجربة.. إذ لا ينفع أن نكرر نفس تجارب شعوب أخرى ونتوقع نتائج مختلفة.. ومخجل أن تمر كل هذه السنوات ومازال تفكيرنا منحصر فقط في دفع أحدهم إلى الرحيل.. فقط مجرد الرحيل.