منصة الصباح

ثلاثة في أسبوع واحد

أحلام محمد الكميشي

 

كنت أنوي الكتابة عن مصرفنا المركزي المترنح وحقولنا النفطية المغلقة وسياستنا المتخبطة، لكني عذلت عن هذا حين قرأت خبرًا هو الثالث من نوعه خلال أسبوع فقط ورأيت أنه الأجدر بالكتابة فلا شيء أغلى من روح مواطن ليبي يخرج من بيته صباحًا محملا بطلبات العيال وأمهم ومشيعًا بدعوات والديه ومغادرًا وصور أطفاله بين جفنيه على أمل العودة لهم مساء محملا بالطلبات وفي مقدمتها أرغفة الخبز، لكنه لا يعود بل يحضره رفاقه جثة هامدة للمستشفى لتعرضه لصدمة كهربائية أثناء العمل.

أعلنت الشركة العامة للكهرباء يوم الأحد الماضي عن وفاة أحد موظفيها “محمد عمر الثوير” التابع لدائرة توزيع الزاوية، ثم أعلنت يوم الأربعاء الماضي عن وفاة موظف آخر “صالح بوعويشة التركاوي” التابع لدائرة توزيع غرب درنة، ثم أعلنت يوم الخميس الماضي عن وفاة موظف ثالث ” محمد سالم خليفة” التابع لدائرة توزيع شرق سبها، وكل موظف بدائرة مختلفة وجميعهم توفاهم الله إثر تعرضهم لصدمة كهربائية أثناء أدائهم للعمل، فيما توفى قبلهم في دوائر أخرى بعض العاملين بسبب السقوط من الأعمدة الكهربائية العالية أو انفجار المحولات الكهربائية في وجوههم، وللعلم يبلغ الجهد في الخطوط الهوائية للجهود الفائقة 220 و400 كيلو فولت، وفي خطوط الجهود العالية 30 و66 كيلو فولت، وفي الخطوط الهوائية العادية 11 كيلو فولت، في حين يخرج الكرسي الكهربائي المستخدم في الإعدام 2 -4 كيلو فولت فقط.

هذه الوفيات المتكررة في فترات زمنية تكاد تكون يومية تلقي بالأسئلة تباعًا حول الأسباب، وعدد الوفيات الإجمالي، وعدد الإصابات التي لم تصل للوفاة، وهل تفتح الشركة تحقيقات جدية موسعة حول الأسباب، وهل توفر الشركة نظامًا صارمًا للأمن والسلامة تلزم به موظفيها وتصقلهم في دورات متتابعة لتطوير مهاراتهم الوقائية من إصابات العمل، وهل توفر الشركة مستلزمات الأمن والسلامة من ملابس وأحذية وقفازات عازلة للكهرباء، وهل تلزم موظفيها بارتداء المستلزمات الوقائية عند العمل، وهل توفر لموظفيها الأحزمة التي تقيهم من السقوط من الارتفاعات الشاهقة، وهل المواد والمعدات التي يقوم الموظفون بتركيبها ذات جودة عالية أصلا أم أنها رديئة وتشكل أحد أسباب الإصابات التي يتعرض لها الفنيون خلال العمل، وهل يتم إجراء اختبار مقاومة العزل قبل تنفيذ المهمات الخطيرة؟

منشورات الشركة بصفحتها على فيسبوك مرفق بكثير منها صور الموظفين خلال الأعمال الخطيرة على أبراج الضغط العالي الشاهقة أو المحولات الكهربائية وبملابسهم العادية وأحذيتهم البسيطة وبدون خوذات للرأس وبأيدي عارية ودون أي مستلزمات للأمن والسلامة، فإما أن الشركة لم توفر لهم ما يقيهم من الصعق بالكهرباء والسقوط المميت من أعلى وإما أنها تتهاون معهم في عدم التزامهم بتعليمات وشروط الأمن والسلامة المهنية، وفي الحالتين الشركة مسؤولة أمام أهالي هؤلاء الموظفين بصورة خاصة وأمام الشعب الليبي بصورة عامة فالموارد البشرية هي أفضل استثمار في أي مجتمع، وفي حال ضياع أي منها سيحتاج المجتمع لسنوات كي يعوض الفقد.

 

 

شاهد أيضاً

لماذا لا يكون محافظ مصرف ليبيا نرويجيا؟

عبد الرزاق الداهش وظيفة محافظ المصرف المركزي مهنية بامتياز، مثل الطبيب والمهندس، وربان الباخرة، ومدرب …