أحلام محمد الكميشي
كثيرا ما رددنا الأحجية الشعبية (جانا ضيف وضيفناه فرحنا بيه وكتفناه) وإجابتها (المزيود) ذلك أنه طفل جديد يحل ضيفًا على العائلة ويفرح به الجميع إلا أنه لا بد من لفه بـ(القماط) وهو ثقافة متوارثة عبر الأجيال للاعتقاد بفوائده الجمة للرضيع صغيرا ثم كبيرا.
وقد اعتادت ليبيا على الضيوف، يأتون إليها فرادى وجماعات، وبغض النظر عن اتفاقيات حضورهم وتضمنها لجانب مالي أم لا، لكن المعمول به في دول العالم أن الضيف يحضر بموجب اتفاق يشمل زيارات متعلقة بمجال عمله فمثلا يتم ترتيب زيارات للإعلامي لكليات ومعاهد الصحافة والإعلام ودعوته لتقديم محاضرات عن تجربته في ندوة جامعية فيستفيد الطلاب من الاحتكاك به عن قرب، بالإضافة لزيارة الأستوديوهات والصحف ومقرات الوسائل الإعلامية بالبلاد العام منها والخاص، وتنفيذ لقاءات إذاعية ومرئية، وذلك للاستفادة من كل زمن تواجده في البلاد، ناهيك عن زيارة النصب التذكارية ومعالم البلاد التاريخية والمناطق التي تعرضت لنكبات بسبب كوارث طبيعية أو حروب أهلية كنوع من التضامن مع أهاليها الذين قد يكون عدد منهم من متابعيه ومعجبيه، ونفس الشيء للفنان والشاعر والصحفي والمنتج والمخرج وغيرهم.
ولو كانت زيارة الفنان للمشاركة في احتفالات رسمية أو لإقامة حفلات وعروض ومسرحيات فإن ذلك يخضع لتنظيم وفق معايير ثقافية ومالية فيكون له ما له وعليه ما عليه، كل شيء منظم وفق عقد يتم تحديد بنوده باتفاق بين الجهة المنظمة ومدير أعمال الفنان وهذا العقد خاضع للضرائب باعتبار أنه سيحقق دخلا للفنان وللمنظمين، ويتقرر ترتيب أماكن العروض وزمنها والحضور الشرفي أو الذي تحدده مبيعات التذاكر وبتنظيم يحترم الحاضرين ويوفر لهم حضورا آمنا يحقق متطلبات الأمن والسلامة.
ومع كل هذا فإن الضيف يتحدث في أولى مقابلاته الإعلامية بعد مغادرته عن تجربته في البلد ويرى فيها إضافة لتاريخه وفرصة للقاء المباشر مع محبيه وجمهوره، فماذا عن ضيوف ليبيا؟
هل يتوقف الأمر فقط على ارتداء الضيف الملابس التقليدية الليبية والتقاط صور معه في مطعم أو بهو الفندق أو دعوته لرحلات ترفيهية تشبه (الزرادي الشبابية) أو تقديم الهدايا الثمينة، أو إقامته لحفل فني غنائي لا تتوفر فيه أدنى شروط الحضور الآمن والمريح وغير المجاني لجمهوره، أو تُمنع النساء من الحضور بحجة عدم الاختلاط؟
هل يتوقف الأمر على أخبار مبتورة تتناقلها صفحات فيسبوك تدعي أن هدف الزيارة هو إظهار ليبيا بلد أمن وأمان مع نشر تصريحات للضيف يتحدث فيها من باب المجاملة والأدب شاكرا حفاوة الترحيب مبينًا اندهاشه وقد لمس على أرض الواقع عكس ما كان يسمعه من أخبار عن الحرب والفوضى قبل مجيئه الذي مثّل له مخاطرة ومغامرة؟
وهل يكفي حضور فنان أو إعلامي كي نقنع العالم أننا بلاد سلم وأمان، ما هو دور إعلامنا المحلي والخارجي؟ وما هو دور بعثاتنا الديبلوماسية؟ وكيف نكتفي بفكرة التسويق عبر الضيف منتظرين حديثه عنا بعد مغادرته ونخدع أنفسنا ونغلق الباب أمام الحقيقة القائلة أن بلاد الأمن والأمان هي البلاد التي تستضيف السفارات والبعثات الديبلوماسية ورؤوس الأموال والشركات الدولية وتتمتع بنظام حكم واضح وثابت يدعمه دستور حقيقي، ونظام مصرفي مرتبط بالعالم وفق معايير تكنولوجية متطورة ولديها بنية تحتية ومنظومة خدمات بمواصفات عالمية وشبكة اتصالات ذات ريادة وخطوط مواصلات متنوعة وعصرية، ولا ترصدها التقارير الدولية كإحدى أكثر الدول فسادًا، بلاد يمكنها أن تقدم الموارد المتاحة والأيدي العاملة ذات الكفاءة علميًا وتدريبًا لتحقيق إنتاج يطلبه السوق في واحد أو أكثر من القطاعات، وبها جيش مهمته حماية الوطن وشرطة مهمتها الأمن والسلم ولا أحد غيرهما يمتلك السلاح.