أحلام محمد الكميشي
يقترب عيد الأضحى المبارك.. وتفترش حظائر الأغنام جنبات الطرق فضلا عن الأسواق الشعبية، ويرتادها الليبيون لمعرفة الأسعار ومقارنتها بالقدرة الشرائية والميزانية العامة للأسرة.
هذه السنة أطلقت عدة مصارف فكرة (القرض الحسن) بقيمة موحدة (2000 د.ل) وبدون أرباح أو فوائد وبالتقسيط المريح، في حين يرفض أغلبها صرف ما في الحساب الجاري للعميل بالصك المشمول بالحماية القانونية كونه من الأوراق التجارية واجبة الدفع بمجرد الإطلاع، وتحدد سقف السحب بالبطاقة المصرفية بما لا يتجاوز 400 أو 500 د.ل بعمولة ثابتة مهما انخفض السقف.
لماذا القرض؟ فالأضحية ليست فرضًا بل سنة يؤجر من عمل بها ولا يُعاقب من تركها، ولم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا صحابته الكرام يضحون وباستمرار في كل عيد كي لا يعتقد الناس أنها فرض، وبالتأكيد يوجد بين أهل المضحي وجيرانه من له نصيب في أضحيته إما بالهدية أو بالصدقة، ولا مناص من الالتزام بالدين وشعائره دون مزجه بالآراء الشخصية والعادات والرغبات ولن يشاد الدِّين أحد إلا غلبه كما قال رسولنا الكريم، والمؤسف أن البعض حوّل الأضحية لعادة اجتماعية تجاوزت قصد العبادة بل ألغت روح الشعيرة لصالح مظهر المضحي أمام الناس ورغبات أهله وصار العيد (فرحة للصغار)!!
قرض تتجاوز قيمته مرتب موظف درجته (10) في ظل أسعار ملتهبة لم تحاول الدولة السيطرة عليها لحماية المستهلك! لماذا تخرج كل هذه العملة الصعبة من بلادنا لشراء الأضاحي سنويًا؟ لماذا لا نمول بها مشاريع إنتاجية وندعم المربين بهدف الاكتفاء والتصدير وادخال العملة الصعبة لاقتصادنا افرادً ودولة؟
تقدم عيد الأضحى دروسًا عظيمة، فمنذ لحظة افتداء “إسماعيل” عليه السلام بذبح عظيم انهارت عادة تقديم القرابين البشرية على المذابح المنتشرة في كل بقاع الأرض، لقد سلّم خليل الله “إبراهيم” وابنه “إسماعيل” عليهما السلام تسليمًا مطلقًا لله مع أن النفس يصعب عليها القبول وهذا معنى أن إرادة الله نافذة عند عباده المتقين فيستحقون الهبات الإلهية، وماذا يكون أغلى من حياة الولد؟ فلا مبرر لمن يسرق أو يفسد في الأرض بحجة الأولاد، إذ أن المجرم سيجعل أولاده يوم القيامة أول فداء لنفسه من العذاب.
تصديق “إسماعيل” لرؤيا والده، وتطييبه لخاطره وهو ينصحه بطاعة الله درس لأولاد المقيمين ببيوت العجزة في كل بلاد المسلمين، وصبرهما طوال الدقائق الحرجة الثقيلة بتسليم تام لأمر الله حتى لحظة التل للجبين دليل على أن الظن الحسن بالله لابد وأن يكون ثابتًا مستمرا.
لم يعرف أي منهما أن الأمر امتحان مقيد بلحظة الذروة، فكم من امتحان خضناه وأولادنا دون أن ننتبه أنه اختبار لصبرنا وثقتنا المطلقة في الله؟ وكم مرة فشلنا وتراجعنا قبل صافرة النهاية؟ وأي امتحان لنا ولأطفالنا أصعب من لحظة ذبح أب لابنه الذي رزقه الله به (على شوق) وكان الله هو الأغلى في قلب كل منهما؟
في عيد الأضحى جملة من الدروس الدينية التربوية العظيمة، والأولى أن نحرص على غرسها في أذهان أولادنا قبل وضع لحوم الأضاحي في أفواههم، ولن تنخفض الأسعار وننجح في الامتحان قبل أن نخلّص العبادة من قيود العادة.