منصة الصباح

أب بعيد 6

ترجمة : مأمون الزائدي

في هذه اللحظة، لا يوجد شيء في العالم أشتهيه أكثر من معرفة كيفية خبز الرغيف الفرنسي.»

«اثنان كيلو من الدقيق، كوب ونصف من الماء الدافئ ومائة غرام من الخميرة ملعقتين ونصف من الزبدة، وثلاثة أكواب من الماء، ملعقة كبيرة من الملح. تمام؟»

تابعت لفترة من الوقت حركة القمر جيئة وذهابا في السماء الخشنة، ثم تعثرت في حجر. وأوقعت الحقيبة الصغيرة التي أحملها، التقطتها، وصفعتها على فخذي لانفض عنها التراب.

«إذا تسلق شخص حتى قمة الطاحون وقفز، فهل تعتقد انه سوف يقتل نفسه؟»

«إذا كان هناك شخص مجنون بما فيه الكفاية للقيام بذلك، فحتما سيدق عنقه».

كان المهندس في قاطرته، يقاوم البرد بمعونة المجمرة عند قدميه. يغطي جسده معطف بونشو أروكاني. كان يمسك لنا زجاجة ترمسه ونحن نشرب القهوة من الغطاء. أخبرنا أن أمامنا انتظارا طويلا، المغادرة ليست حتى الساعة الخامسة. وسنصل الى كونتيولمو في السابعة.

كان يومه مخطط سلفا الإفطار في الثامنة، القداس في التاسعة، وكرة القدم الساعة العاشرة (بيليكو مقابل كونتيولمو على ملعب فييرا جالو)، وجبة الغداء في الواحدة، والمسلسل الدرامي الذي يذاع في عطلة نهاية الأسبوع على الراديو في الثانية، القيلولة في الثالثة، بعد ذلك وفي الرابعة عليه قيادة القاطرة عائدا الى انغول.

كان يخشى أن شركة السكك الحديدية للدولة التشيلية سوف تغلق هذا الخط الفرعي لأنه يقل عددا بسيطا جدا من الركاب وهو على وشك ثلاث سنوات فقط من التقاعد. باستثناء الوقت الذي حاولت بقرة صغيرة عبور المسارات، ليس هناك أي حادث كبير على سجل خدمته. في تلك المناسبة، أبلغ صاحب تلك البقرة التعسة، الذي عن طيب خاطر تنازل له عنها من اجل حفلة الشواء الكبيرة التي ستعقد في اليوم التالي في بورين.

عندما غادر القطار أخيرا المحطة، كان هناك ثمانية ركاب في عربتنا وكنت أرتعد من شعري إلى أخمص قدمي القمر ينزلق بحرية وسرعة في السماء. على الأقل هذا هو الوهم الذي يتاح لك عندما تكون مسافرا بسرعة.

أسناني يقارع كل واحد منها الآخر. Zazie dans le metro وقعت من على ركبتي. كريستيان يضع يده على جبهتي، وأستطيع أن أسمعه بالكاد وهو يقول «أنت تشتعل بالحمى.»

يوم الأحد أشرب ليتر من عصير الليمون الدافئ وابتلع الأسبرين كل أربع ساعات، وماما تغيير شراشف سريري الغارقة في العرق ثلاث مرات. يقف بعض الأولاد من المدرسة تحت نافذتي وينادون لإبلاغي أن كونتيولمو فاز واحد الى لا شيء. نحن سادة دوري ماليكو. أريد أن أقرأ قليلا من روايتي، لأني أشك أني سأحتاج المال في وقت قريب جدا، والطريقة الوحيدة بالنسبة لي للحصول على البعض منه هي الانتهاء من الترجمة. هناك كلمات لا أعرفها، ولكن عندما ابحث عنها في قاموس لاروس، تتشوش رؤيتي.

الحمى التي أصابتني كشفت شيئا قد أنساه في وقت لاحق. اكتبه على ورقة من ورق فن الخط وجدتها مع يوميات حياتي الذي سأعطيه لأوغستو غوتيريز: «ليس الحال أن الكلمات تدور بلا هدف مؤكد حول المواضيع لا. بل انه العالم نفسه من هو غير مؤكد. فالكلمات دقيقة «.

ماذا سيكون أول ما يكتبه غوتييريز؟ أفتح النافذة الصغيرة في غرفتي وأنظر إلى أشرعة المطحنة الهادئة. كريستيان نائم وصفة الخبز. الرغيف الفرنسي.

مضي يوم الاثنين ووفقا لأمي، كنت أئن وكأني امرأة تلد وفجأة أجلس متوحش العينين على السرير. أعطتني الأسبرين وعصير الليمون، وفي الليل قليلا من حساء الدجاج.

كانت هناك رسالتين لي. واحدة، من كريستيان، وصلت في ظرف مصفر. بداخله ورقة وبطاقة بريدية.

تقول الورقة،

وفيما يتعلق بوالدك، تلقيت هذه البطاقة البريدية منه اليوم، مرسلة من باريس. واليوم أيضا، كنت انظر الى الأرض من الجزء العلوي في الطاحونة أستطيع أن أعطيك إجابة قاطعة على سؤالك. أن أي شخص يقفز من هناك سيتحطم الى أشلاء. الأمر لا يستحق العناء، وخاصة إذا كان لدى الله أطول الرحلات اعتبارا بالنسبة لنا. أفضل ما تستنتجه من ذلك هو أن تعيش لتكون جداً أعلى ثم ترحل في صمت سريرك، تحيطك عائلتك العديدة بعد تلقيك موعظة مفرطة من الكاهن. خذ هذه النصيحة من عازب وحيد تظهر البطاقة البريدية لوحة لراقصات باليه يقمن بالتمرين على عمود ومن الخلف، اسم الرسام: ديغا. وخلاف ذلك، الفراغ والصمت.

وجاءت الرسالة الثانية من غوتيريز:

عزيزي الأستاذ، رسالة تيريزا في يدي. يبدو أنها نسخت الأشياء التي كتبتها لك من كتاب. انها تجدك مميزا جدا، وتثملها نظرتك. تقول إنك عندما تنظر في وجهها، «طروادة تحترق.» لست متأكدا مما تعنيه، ولكني أجمع أن تيري سوف تكون سعيدة جدا إذا أتيت إلى حفلتي يوم الجمعة. النظام البريدي التشيلي هائل. وكهدية عيد ميلاد، أرسل لي عمي ماثيو في أنتوفاجاستا حوالة مالية بقيمة 20،000 بيزو. ويوم السبت المقبل، أكان صحوا أو ممطرا، أنا ذاهب الى انغول. وأنت مدعو، يا أستاذ.

عند السادسة من صباح الثلاثاء، اختفت الحمى صار عقلي صافياً، ويمكن أن أميز كل واحد من الطيور والدجاج التي تغرد أو تقوق في الحديقة. شغلت يوم راحتي بــ Zazie dans le metro. تلمست شعيرات ذقني المتنامية وقررت عدم التحديق في المرآة أو الحلاقة. سوف اظهر في المدرسة غدا وأبدو مثل قطاع الطرق. سوف يشعر الأطفال بالقلق، ولن يرموا قطع الطباشير على السبورة عندما أدير ظهري لهم.

للعشاء، احضرت ماما جرعة أخرى من مرق الدجاج، وهذه المرة برفقة اثنين من اللفائف.

«كريستيان تغلب على دوار الخمرة « صرّحتْ.

عندما استدارت لتذهب، أمسكت معصمها ودفعتها الى الجلوس على حافة السرير. تطلعت في وجهي بخوف وفضول ولكنها بدأت على الفور تتحسس شراشفي للتأكد من أنها جافة ومنشأة بشكل صحيح. انها تتمسك في بيتها بقواعد قطاع الفنادق.

«ماذا تعرفين عن أبي ولا أعرفه، يا أمي؟»

«انه في فرنسا.»

«لماذا ذهب بعيدا؟»

«في كل الرجال بحار صغير في نفوسهم. والفضول حول أماكن أخرى. الى جانب ذلك، فهي وطنه، أليس كذلك؟ «

«ماذا عني؟ وماذا عنك؟»

خبطت ذقنها، وللحظة بدت وكأنها راقصة باليه. كانت لامبالية تعوزها الحماسة، امرأة ذاهلة، يتسم جمالها بالحزن وقالت: «نحن هنا، أليس كذلك؟»

أمسكت ملعقة الحساء بيد وتمسكت بمعصمها جيداً بالأخرى كي لا تذهب بعيدا. ثم بدأت التهم بنهم خبز الطحان. أنا جائع مثل ذئب. الشعيرات الخشنة على ذقني تمنحني جرأة غير متوقعة.

«أين بيير، ماما؟»

«في باريس.»

«ولماذا؟»

«انه من هناك. هذا طبيعي «.

«وعندما غادر … ألم يعد يحبك؟»

«لماذا لم يعد يحبني؟ بالطبع كان يحبني. وكان يحبك، أيضا. لكن باريس …»

«هل تحبين الأفلام يا ماما؟»

«كنت أذهب إلى المسارح في سانتياغو كثيراً. يفترض أن التلفزيون سوف يأتي إلى شيلي. في غضون سنوات قليلة، ربما بحلول ذلك الوقت سيكون لدينا ما يكفي من المال لشراء جهاز «.

نظرت في وجهها كما لم أفعل من قبل. دون لمسها، جردت السنوات عنها، والآثار الناجمة عن مشاكل الحياة اليومية. ورأيت كم هي جميلة، كم هي ضعيفة. شابة بالطريقة التي يبدو بها شباب النسوة الأكبر سناً.

ذات جاذبية مدمرة.

«قبل ولادتك، كان والدك يقارنني بالممثلات الفرنسيات والإيطاليات. ذات سنة عندما دعاني ميلين دوموجو ، وفي اخرى كنت بيير أنجيلي. ثم تقدمت في السن وتوقف عن منحي أسماء مستعارة «.

«لقد كنتِ أجمل من تلك الممثلات.»

«هل ستذهب لتعطي دروساً غدا؟»

«بالطبع، يا ماما. الحمى ذهبت «.

« كدت تغادر معها، يا جاك. أنا لن أدعك تذهب إلى انغول مع كريستيان مرة أخرى «.

«أصبت بالمرض لأنني لم أحمل معطفا.»

«تصرفتَ مثل بطل شاب في أحد الأفلام.»

«نعم، ماما. لن أعيدها أبدا مرة أخرى«.

ظللت ممسكاً بمعصمها. الكلمات المطلوبة بالضبط موجودة، ولكنها للأسف لا تقوم بمهمتها.

«ما الذي سوف تعلمه للصغار غدا؟»

«القليل من التاريخ. والقليل من الجغرافيا«.

«ماذا؟»

«سأتحدث معهم حول نفق طريق لونكويمي.»

« لاس ريسس؟ «

«لقد مروا بالتأكيد عبره عدة مرات، لكنهم لا يعرفون انه بطول 4537 متر. ولا يعرفون أن بنائه تطلب إزالة 184000متر مكعب من الصخور بمساعدة 175،000 كلغ من الديناميت. ولا يعرفون أيضا أن 240،000 كيسا من الأسمنت استخدمت في بناء بطانة النفق الخرسانية «.

عيناها واسعتان ولا ترفّان، دندنت ماما لحنا قصيرا لتخفي الفخر الذي شعرت به من عمق معرفتي المهنية. ميزتُ أغنية إيف مونتان «je ferai le tour du monde».

«في أي وقت أقدم لك وجبة الإفطار؟»

«الساعة السابعة.»

«في السرير أو على الطاولة؟»

«على الطاولة.»

خلال الفترة المتبقية من الأسبوع تصرف تلاميذي مثل أطفال القصص جلبوا لي تفاحاً، وقبل أن أشرع في الأكل فركته على طية صدر سترتي حتى صار لامعا. ولمنع غوتييريز من أن يسألني عن انغول في يوم عودتي الأول قررت إعطاء إملاءات طويلة، حتى ابقي التلاميذ في مقاعدهم. أخترت لهم الكلمات الصعبة. على سبيل المثال، «التأديبية»، «الانضمام»، «اللكمة».

ظهرُ يوم الأربعاء، اختلستُ نظرة عابرة من خلال نافذة ورشة الخياطة، ورأيت إيلينا غوتيريز، كبرى أخوات أوغستو غوتيريز، تجرب بلوزة تحتاج أن تشتريها لحسن الحظ، انها استعادت شكلها، كما تقول. في الجنوب، يأكلون كميات من الجبن، بالدهون الكثيرة في الحليب. ليس أمامها الآن سوى الدجاج بدون جلد والخضروات لتناول العشاء وهي تشرب الكثير من ماء البقدونس.

اقتربت من المرآة وهي تقول إن خديها يبدوان «معافين تماما.» كانت تود أن تكون عظام خدها أكثر وضوحا، رغبت أيضا أن تكون شاحبة مثل غريتا غاربو في فلم القبلة. وأرادت البلوزة مناسبة وضيقة في الوسط، كما أعلنت، وعندما يضع رجل ما يده على حزامها ليقودها الى الرقص، تريد أن تمنحه حافة البلوزة المطرزة شعورا جيدا وستحب إذا كان للبلوزة أن ترتفع قليلا عندما يضغط عليها حتى يمكنه لمس بشرتها.

انسحبت إلى الساحة قبل أنها تتمكن من ملاحظتي وتركتُ واحدا من تلاميذي يعمل صبي تلميع أحذية، يمرر قطعة من القماش على حذاء والدي السابق. وفقا للإعلان في دياريو دي انغول، ستبدأ الشهر المقبل بنشر رواية ريمون كينو العظيمة زازي في المترو. سيتم نشر الحلقات طوال فصل الشتاء.

حقيقتان لم تكشفا: أنا لم أقرب الكتاب بعد، وحتى الآن لم يدفع لي مسبقا كما وعدت. ولا تم ذكر اسم المترجم، الذي هو اسمي

أود أن أرى اسمي مطبوعا في يوم ما. بعض الشهرة ستمنحني هيبة في عيون تيريزا. وفقا لغوتيريز، عليّ أن أطلب منها أن تراقصني، والتصق بها مثل البطلينوس، وأتنفس في أذنها. لست بحاجة لأن أقول أي شيء لها. فالفتاة مثل الكترولا في الدانوب الأزرق، كما أبلغني. تعرف كل أغاني الراديو.

«أهصرها وسوف تغني. ومن ثم، يا أستاذ، أخفف الأضواء شيئا فشيئاً، وعليك أن تعطيها قبلة فرنسية «.

سألته لماذا كان يساعدني كثيرا في الاستيلاء على أخته، قال لي صالح واحد ينفع الآخر. وهو يحتاج لبالغ كي يصحبه الى الماخور في انغول، وأنا الشخص الوحيد في العالم الذي يستطيع القيام بهذه المهمة. ينظف نظارته على أطراف قميصه، ويقول: أني أستاذه وصديقه. أنا من علمه كل شيء في هذه الحياة، من انتصار القوات التشيلية في معركة يونغي، حيث أحبط بطلنا الجنرال مانويل بولنيس جهود البوليفي المشير سانتا كروز لتوحيد البيرو وبوليفيا، إلى دروس في أفضل طريقة لتدخين السجائر دون سعال.

«ليلة الجمعة ستكون لك، أستاذ جاك، أما ليلة السبت فتعود لتلميذك وخادمك أوغستو غوتيريز».

سألني أن أتحسس رزمة النقود في جيب بنطاله.

«هذه عشرون ألفا أرسلها العم ماثيو الي -أنا أحملها معي كي لا أفقدها القطار الذاهب الى انغول يغادر في الرابعة. «بعد ذلك، متوقعاً لحظة مجده، كرر لنفسه. «الساعة الرابعة يوم السبت،» كما يقول..

شاهد أيضاً

إيقاف أجانب يقودون سيارات بدون إجراءات رسمية

الصباح- مفتاح البسكرى بدأت عناصر مديرية أمن اجدابيا بحملة على المركبات التي يقودها سائقين من …