ورد النص على جريمة إساءة استعمال السلطة ، في العديد من المواد في نصوص قانون العقوبات الليبي في المادة (431) والمادة (398) والمادة (397) فلم يحصرها في الموظف العام بل ذهب إلى أبعد من ذلك ، ولكن ما يعنينا في هذا المقام هو إساءة استعمال السلطة في الوظيفة العامة أي التي تقع من (الموظف العمومي )نص في المادة (234) من قانون العقوبات تحت عنوان ” سوء التصرف إضرارا بمصالح الإدارة العامة أو القضاء )” حيث نصت “
يعاقب بالحبس والعزل كل موظف استغل وظيفته لإيقاف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو تنفيذ القوانين أو اللوائح …..”
كما نصت المادة (235) من قانون العقوبات ” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر لكل موظف يسيء استعمال سلطته لنفع غيره أو الإضرار به …..”
يفهم من هذه النصوص أن هذه الجريمة لها صور متعددة استعمال القسوة من الموظف ضد الآخرين مستغلا سلطته ، إخلال الموظف بواجباته المكلف بها ، امتناع الموظف عن تنفيذ القرارات المكلف بتنفيذها إضرار الموظف لغيره …
فالسلطة بمفهومها الضيق تعني هي التي تمنح للموظف العام حق التصرف وإصدار الأوامر لتنفيذ عمل معين أو الامتناع عن عمل وذلك وفقا للإمكانيات التي تمكنه من ذلك .
ويقصد بإساءة استعمال السلطة استخدام السلطة الممنوحة لديه بأن يسيء استخدامها لإغراض شخصية ، إما للنفع الذي يعود عليه أو لتعمد الإضرار بالغير بحيث يمكنه الضغط على الموظفين مستغلا سلطته في ذلك لتنفيذ أغراض خاصة له، أوتزييف الحقائق بما يخدم مصلحته !أي الخروج بالوظيفة عن أهدافها ومقتضياتها ، كما نود التأكيد أن ما استقرت عليه أحكام ومباديء المحكمة العليا “بأنه لا يشترط أن يكون تحصل على فائدة وإنما فقط مجرد الإضرار ، تقع الجريمة “
ولنا في ذلك عدة أمثلة ، قاضي يمتنع ويصر على امتناعه عن الفصل (دعوى) بين أطراف الخصومة بعد ما خول بذلك، وكيل نيابة يستغل سلطته في إصدار أوامر الحبس الاحتياطي ويشرع بتمديد حبس المتهمين دون أي مبرر قانوني متجاهلا في ذلك ضمانات التي كفلها القانون للمتهم أثناء مرحلتي التحقيق والمحاكمة ، رئيس جامعة يرفض تنفيذ أمر الحكومة بشأن صرف مستحقات أعضاء هيئة التدريس وينتهك حقوقهم المالية بدون وجه حق ، رجل أمن ينتهك حرمة المنازل ويشرع بتفتيشها أو القبض على أحد الأشخاص في غير الأحوال المصرح بها قانونا ، من أجل التنكيل أو استعراض قوته.
ونظرا لما لهذه الجريمة من خطورة إلباس الباطل بالحق داخل إطار القانون ، لاسيما وأن القانون الليبي قد اشترط حصولها من الموظف عمدا ، أي لابد أن يتوافر عنصري العلم والإرادة يجعل من الصعب إثباتها ، مما يتيح الإفلات من العقاب !
فالبعض يجد أن هذه الوظيفة حق مقدس وله استعمال سلطته كيفما يشاء. دون أي قيود أو ضوابط متناسيا أن هذه الوظيفة المكلف بها ، هي أمانة سيسأل عنها أمام الله ، فإما أن يتقن إدارة هذه الأمانة أو يسلمها لمن يحسن إدارتها، فالجهل بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه ، يفضي إلى ظلم من هم تحت سلطته ، وصدق قول الله “( إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا). الأحزاب (72).
لا بد من إدخال تعديلات جوهرية على النصوص التجريمية بما يتلائم مع الواقع والتطورات المعاصرة ،لا سيما وأن هذه الجريمة أصبحت ظاهرة في المؤسسات الليبية ،وذلك بتبني مراجعة تحليلية دقيقة في صياغة نصوص المواد ووضع نصوص واضحة وأكثر تفصيلا للتعريف الدقيق لتجاوز الاختصاص ،بحيث تكون هناك عقوبة محددة تتناسب مع حجم التجاوز أو الضرر.