بقلم:آمنة الهشيك / أستاذة قانون
الاستثمار القانوني في رعاية الأطفال يمثل حجر الزاوية في بناء رأس مال بشري محصّن، قادر على التنمية والابتكار. لذلك، هناك العديد من الاتفاقيات التي تمثل بوصلة أخلاقية وقانونية لجميع الدول الأطراف، حيث أكدت على أهمية توفير الرعاية للأطفال، وأهمها اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989، التي تتضمن 54 مادة، وهي تمثل الوثيقة القانونية الدولية الأسمى والأشمل لجميع الحقوق الأساسية الخاصة بالأطفال.
تؤكد الاتفاقية على مبادئ عدم التمييز، وحق الطفل في التعبير والمشاركة، وتُلزم الدول الأطراف بدمج هذه الحقوق ضمن قوانينها وسياساتها الوطنية. وتعد دولة ليبيا من الدول الأطراف، إذ صادقت على الاتفاقية عام 1993، كما وقّعت على اثنين من بروتوكولاتها الاختيارية، المتعلقة بمنع انخراط الأطفال في النزاعات المسلحة ومنع المتاجرة بهم. وهذا يفرض عليها التزامًا قانونيًا بحماية حقوق الطفل ودمج هذه الالتزامات في تشريعاتها وسياساتها الوطنية.
ويبرز هذا الالتزام في العديد من النصوص القانونية، وأهمها قانون حماية الطفولة (5) لسنة 1997، الذي يتضمن العديد من المواد التي تؤكد حق الطفل في التعليم والصحة، وحقه في التسجيل والاسم والجنسية فور ولادته. كما نصّت المادة الثامنة على منح الأطفال مجهولي النسب أسماء ثلاثية، وتسجيلهم في سجل خاص بمكتب السجل المدني المختص، ومنحهم الحق في الحصول على البطاقات الشخصية دون التقيد بشرط إبرام عقود الزواج، إضافةً إلى حمايتهم من الإساءة والاستغلال والإهمال.
كما أقرت دولة ليبيا هذه الحقوق في قوانين أخرى، مثل قانون العقوبات الليبي، الذي نصّ على عقوبات جنائية في حالة استغلال الأطفال أو إهمال حقوقهم، وقانون الأحوال الشخصية، الذي يتضمن أحكامًا تتعلق بحماية حضانة الأطفال ونفقتهم في حالات الطلاق أو وفاة أحد الوالدين. إضافةً إلى قانون العمل، الذي ينظم عمل الأطفال ويضع قيودًا تحدّ من استغلالهم.
وبشكل عام، ومن خلال استقراء جميع النصوص القانونية، يمكن الجزم بأن القانون الليبي يتضمن نصوصًا مهمة لحماية حقوق الأطفال ورعايتهم، إلا أن التحدي يكمن في التطبيق الفعّال لهذه القوانين وضمان حصول جميع الأطفال على حقوقهم كاملة على أرض الواقع.
ورغم ذلك، لا يزال هناك أطفال محاصرون في المنطقة الرمادية، بلا سند رسمي أو هوية، ضحايا الإهمال، محرومين من فرص التعليم والعمل والرعاية الصحية، ما يدفعهم قسرًا نحو حافة التهميش الاجتماعي والاقتصادي.
وهذا يشكل انتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي الآمرة، ويقوّض الاعتراف القانوني بشخصيتهم، مما يعكس هشاشة وتقاعس التشريعات عن احتضان براءتهم وتحقيق العدالة لهم. ونتيجةً لذلك، يحمل هؤلاء الأطفال في داخلهم ندوبًا عميقة تعيق اندماجهم الإيجابي في المجتمع، وتجعلهم فريسة سهلة للاستغلال والانخراط في سلوكيات إجرامية، بحثًا عن تعويض ألم الفقد والإهمال، ما يحوّلهم إلى قنبلة موقوتة، قد ينذر انفجارها بعواقب وخيمة تهدد الأمن والمستقبل.
طفل اليوم، إن لم يتم تقديم الرعاية الملائمة له، حتمًا سيكون مجرم الغد.