منصة الصباح

الحبس الاحتياطي…وآثاره النفسية والاجتماعية على المرأة ..

بقلم/ آمنة الهشيك/ أستاذة قانون

شرع القانون الليبي الحبس الاحتياطي لمبررات و مصالح محددة، غير أنه يعد من أخطر الإجراءات على حرية المتهمين وعلى المرأة بشكل خاص ،وتزيد خطورته بعدم وجود سقف زمنى محدد لمدته حيث تسلب حريتها دون صدور حكم بالإدانة، تترك في عتمة الانتظار داخل دوامة من اليأس والإحباط، حبيسة زوايا السجون المظلمة ، تحمل عبء مجتمع لا يرحم ، وصمة عار تلتصق بها كظلها ، فتجربة المرأة السجينة في مجتمعنا الليبي تختلف عن تجربة الرجل وإن كانت آثاره السلبية لم يسلم منها كلا الجنسين ، غير أن الرجل في الغالب يحصل على دعم من أسرته وأقاربه حتى بعد إدانته ، بعكس المرأة المحتجزة احتياطيًا تواجه وصمة عار لا تمحى ، تدفعها للمعاناة والاكتئاب والخوف من المستقبل ، والذي قد يؤدي في بعض الأحيان إلى الانتحار ، وهذا ما ثبت لنا من البيانات خلال دراسة ميدانية قمنا بها في سنة 2017 حول أوضاع السجون، فنسبة محاولة الانتحار من قبل الاناث تفوق الذكور بكثير ، فبدخول المرأة السجن يتخلى عنها الجميع ، تُلطخ سمعتها و تتلاشى لتحل محلها شائعات وأقاويل لا أساس لها ، لينتهي بها المطاف بأن تصبح وحيدة في مواجهة مصيرها المجهول ..

وبين أسوار سجن النساء (الجديدة)، التقينا امرأة في منتصف العمر أم لخمسة أبناء، موقوفة بتهمة لم تتثبت ، وقد مضى على توقيفها الاحتياطي خمس سنوات ، وفي سياق الحديث كشفت عن مأساة ما عانته جراء توقيفها من انحدار أبناؤها إلى هاوية المخدرات تاركين مقاعد العلم ، مما أثقل كاهلها بآلام وضغوط نفسية لا تُحتمل.

وليست هذه القصة سوى غيض من فيض حكايات مشابهة لها خلف القضبان غير أن لكل منهن حكاية تروي تفاصيل مختلفة من اليأس والتذمر.

مما يطرح تساؤلات ملحة حول اعادة النظر في العدالة القانونية للمرأة . وتغليب الاعتبارات الاجتماعية على المقتضيات القانونية.

فلماذا لا تفرد نصوص تراعى فيه خصوصية المجتمع الليبي حفاظا على مكانة المرأة من وصمة العار والآثار السلبية التي قد تلحقها جراء إجراء الحبس الاحتياطي لا سيما في ظل غياب التصنيف الملائم .

فعلى سبيل المثال نص في قانون الاجراءات الجنائية الليبي في المادة (257)(أنه إذا امتنع الشاهد عن أداء اليمين أو عن الإجابة في غير الأحوال التي يجيز له القانون فيها ذلك حكم عليه بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (260) من قانون العقوبات.(الحبس)..

غير أنه خرج عن هذه القاعدة في المادة (256) من ذات القانون مراعاة للاعتبارات الاجتماعية و نص أنه (يجوز أن يمتنع عن أداء الشهادة ضد المتهم (أصوله وفروعه وأقاربه وأصهاره إلى الدرجة الثانية وزوجه ولو بعد انقضاء رابطة الزوجية…وذلك ما لم تكن الجريمة قد وقعت على أحدهم ……)

كذلك نص في المادة (444) من قانون العقوبات الليبي( أن كل من اختلس مالا مملوكا للغير تكون عقوبته الحبس ، وتضاعف العقوبة بحسب الظروف المشددة التي اقترنت بها ) غير أنه كذلك خرج عن هذا النص وقيد حرية النيابة العامة في رفع الدعوى الا بشكوى من المجني عليه، في حالة السرقة بين الاصول والفروع والازواج وذلك مراعاة للروابط العائلية ، بل منح القانون المجني عليه أن يتنازل في أي مرحلة كانت عليها الدعوى المادة(446) من ذات القانون..

وباعتبار أن القاعدة القانونية تمثل انعكاس للقيم والأعراف والمعتقدات السائدة في المجتمع.

لماذا لا يسعى المشرع الليبي إلى تحقيق التوازن بين ضمان الحقوق العامة وخصوصية المرأة في المجتمع الليبي وتحقيق العدالة لها؟

ألا يفترض بالمشرع الليبي أن يستلهم من التجارب الدولية في مجال بدائل للحبس الاحتياطي، و يفرد نصوص قانونية تراعى فيه المرأة و يسعى إلى توفير بدائل أكثر إنسانية؟
ألا يجب مراعاة الأثر النفسي والاجتماعي وانهيار الروابط الأسرية والعائلية جراء إجراء الحبس الاحتياطي؟..

شاهد أيضاً

الْقِيَمُ تُطْوَى.. في عِيلِتْنَا أَقْوَى

     برامج المنافسات في القنوات الفضائية الليبية أصبحت أكثر إثارة من مباريات الملاكمة، وما برنامج …