.بقلم : آمنة الهشيك/ أستاذة قانون
يتوقف ازدهار الدول على مدى مسايرتها للتقدم التكنولوجي الحاصل في العالم والذي مر بعدة تطورات متلاحقة من تكنولوجيا المعلومات (IT) وعصر البيانات (DT) إلى عصر جديد يعتمد على التعلم الذاتي (AI) “الذكاء الاصطناعي ” وهو من أعظم الانجازات ، دفع بدول كبرى تتسابق لنيل مكانة تقدمية ، لما يقدمه من حلول تتسم بالسرعة والدقة في آن واحد ، غير أن كل هذه التطورات أفرزت لنا نوع من المجرمين يصطلح على تسميته با”المجرم المثقف” يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي كسلاح ناعم لارتكاب جرائم معقدة يصعب كشفها أو حتى فهمها من قبل الأجهزة الأمنية أو السلطات القضائية التقليدية بسبب معرفته وإلمامه بالعالم الرقمي ، واستغلال الثغرات في الأنظمة الإلكترونية أو البيانات الشخصية لتنفيذ جرائمه لآأخلاقية من قرصنة أو اختراق الأنظمة و قد يكون في صورة أشخاص أو شركات.
ومن الأمثلة على انتهاك الخصوصية هو استخدام شركة ميتا” الفيسبوك “أو قوقل الخوارزميات كأحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي، من خلال ملفات تعريف الارتباط لتحقيق أهداف معينة كالتأكد من شخصية المستخدم وتحديد اهتماماته من خلال تفاعلاته بهدف عرض إعلانات تتوافق معه لتقديم خدمات أفضل ، ظاهرياً تعد هذه الخدمات مجانية غير أن المقابل هو خصوصية المستخدم لها ، فهي تفتقد للشفافية فسياستها مبهمة وغامضة فقد تغير شروط الخصوصية دون إعطاء المستخدمين فرصة للموافقة المحدثة بحيث تعتمد على الموافقة الأولية مما قد يؤدي إلى استخدام هذه البيانات بشكل غير قانوني .
كذلك من الممارسات التي تعد انتهاكاً للخصوصية و تمثل ابتزاز وتشويه للسمعة وتعد الأكثر خطورة لتأثيرها الكبير على الرأي العام، وتضاؤل مستوى الثقة في المؤسسات العامة.
“التزييف العميق” (Deepfake): حيث يتم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء مقاطع فيديو مزيفة تظهر لأشخاص في مواقف لم يحدثوا بها فقد انتشرت العديد من المقاطع المزيفة لشخصيات عامة ومؤثرة شوهت سمعتهم لصعوبة تمييزها عن الحقيقة ،وكان أبرزها للرئيس السابق ” بايدن” خلال الانتخابات ، تم استخدام تقنيات التزييف العميق لإنشاء مقاطع فيديو صوت وصورة مزيفة له، ونشر معلومات مضللة وهو يدلي بتصريحات مثيرة للجدل، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في شعبيته على الرغم من الجهود اللاحقة لدحض الفيديو وبيان زيفه
كما كذلك يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي لإنشاء أنظمة مراقبة مترابطة عبر كاميرات ذكية أو تطبيقات هواتف تجمع البيانات الشخصية والموقع الجغرافي للمستخدمين.كاستخدام الكاميرات الذكية في الأماكن العامة لمتابعة تحركات الأشخاص دون علمهم.
غياب الرقابة القانونية خاصة في الدول النامية وقصور تشريعاتها عن مواكبة التطورات ، سيجعل منها بيئة خصبة ووجهة مثالية لارتكاب هذه الجرائم بكل سلاسة . وذلك مقارنة مع الدول المتقدمة والتي بالفعل فرضت عقوبات مالية عالية على بعض الشركات بسبب انتهاكها خصوصية المستخدمين
لذلك من أكبر التحديات التي تواجه القوانين الجنائية التقليدية على الصعيد الوطني والدول النامية عموما هو تبنى تشريعات حديثة لمواجهة جرائم تقنيات الذكاء الاصطناعي .