بقلم : آمنة الهشيك / أستاذة قانون.
حق الإنسان في التمتع بالرعاية الصحية المجانية وتوفير الخدمات الصحية من الحقوق الأساسية المقررة في كافة المواثيق الدولية والمعاهدات الدولية والإقليمية .
غير أنه في الواقع نجد المواطن يعاني من إهمال واستغلال بدايةً بالشح في توفير الأدوات الصحية في المستشفيات العامة وتدني مستوى الخدمات عموما ، مروراً بالمصحات الخاصة وشبح الفواتير الذي يلاحقه عند كل زيارة فهي تذكره بالفقر والعوز ، وانتهاءً بالأخطاء الطبية والتي يحاول بعض الأطباء التملص منها وإلقاءها على المستشفى أوعلى المريض .
فما مدى مسؤولية الأطباء القانونية عن الأخطاء الطبية ؟
حقوق المريض مكفولة بنصوص قانونية صريحة وينظم أحكام المسؤولية القانونية للأطباء القانون رقم (17) لسنة 1986 ، ويعرف الخطأ الطبي بأنه الإخلال بواجبات الحيطة والحذر والأصول العلمية والمهنية التي ينبغي على الطبيب التحلي بها ، فالطبيب ملزم قانونا ببذل العناية اللازمة وملزم بدراسة حالة المريض وشرح المخاطر المحتملة قبل إجراء العملية أو وصف العلاج .
لا يوجد مرحلة معينة تحدد خطأ الطبيب فقد يكون في مرحلة التشخيص أو خطأ في وصف العلاج مما يسبب ضرر للمريض أو قد يكون أثناء العملية أو بعد العملية أو يكون بعدم الإلمام الكافي لاستخدام المعدات والأجهزة الطبية .
أيضا يتحقق الخطأ بالتقصير في الإشراف على فريقه الطبي ، بل أن الطبيب يسأل جنائيا وتصل عقوبته للحبس المادة (4) الفقرة (و) من المادة (6) ، إذا أعطى معلومات غير صحيحة أو تعمد إخفائها عن المريض بأن بالغ في خطورة الحالة الصحية للمريض أو العكس من ذلك . وهو ما نجده بالواقع في بعض المصحات الخاصة.
ولإثبات الخطأ الطبي يستوجب وجود علاقة سببية بين خطأ الطبيب إن كان بسيط أو جسيم وبين ما أصاب المريض من ضرر وعلى المريض إثباته ، ولا يسأل الطبيب عن الأخطاء الخارجة عن إرادته ولا عن الضرر الذي كان بسبب المريض نفسه كعدم اتباع تعليمات الطبيب في خطة العلاج ، فالخطأ الموجب للمسائلة القانونية يقاس بمعيار موضوعي قوامه السلوك المألوف من طبيب آخر وجد بنفس الظروف.
إذا مسؤولية الطبيب القانونية تكون مدنية تتمثل في التعويض وجنائية (الحبس أو الغرامة ) و تأديبية من الجهة المختصة تبدأ بالإنذار، وتنتهي بالحرمان من مزاولة المهنة.
ولعل أهم ما يعيق المسائلة القانونية نص المادة (1) من القانون رقم (19) لسنة 2023 وتنص أنه لا يجوز اتخاذ إجراء الحبس الاحتياطي ضد أي طبيب إلا بعد ثبوت الخطأ الطبي بموجب قرار من المجلس الأعلى لتقرير المسؤولية الطبية ،
فلا مبرر لوجود هذا النص بإلزام الأخذ بتقارير المجلس فهذا النص إن كان ظاهريا يمثل حماية للأطباء من الادعاءات الكيدية إلا أنه يخل بمبدأ المساواة الذي أقره الدستور، فممارسة هذه المهنة يجعل أصحابها عرضة لمخالفة الأصول المهنية والعلمية التي تدفع بهم تحت طائلة المسائلة القانونية.
كما أن الحماية ضد أي ادعاء كيدي مكفول بضوابط قانونية تتمثل بمنح النيابة العامة سلطة الملائمة وذلك من خلال تقدير مدى جدية الاتهام واكتمال الأدلة والاستعانة بالخبراء.
تكرار حدوث الأخطاء الطبية من أخطر المشاكل التي أصبحت تهدد مجتمعنا مما يستوجب مزيدا من الشفافية وحصر الأخطاء الطبية ومعرفة أسبابها ، والنظر لشكاوى المواطنين بعين الاهتمام فلا يمكن الاستهانة بأجساد البشر ..