الصباح / وكالات
«قادم، قادم!» هذا تحذير تعالى عبر مكبر الصوت من هجوم صاروخي على «يونيون 3»، وهي قاعدة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة في العاصمة العراقية بغداد، تقع في المنطقة الخضراء التي بُنيت حول ما كان قصراً للرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وبعد ثوانٍ قليلة من الإنذار الأول، سمع انفجاران مدويان، ثم إعلان آخر، يأمر كل من في القاعدة بالاحتماء في الملاجئ.
ويعتقد أن السفارة الأمريكية التي تقع على الجانب الآخر من الطريق، هي الهدف المحتمل لصواريخ الكاتيوشا الثلاثة، وبعد ساعة، أُبلغ من كان موجوداً في المكان بأن الوضع آمن، فقد سقط أحد الصواريخ في نهر دجلة القريب، وآخران داخل مجمع السفارة.
هذه الشهادة نقلتها باري، وهي امرأة مدنية تبلغ من العمر 42 عاماً، تعيش وتعمل في القاعدة كمصففة شعر لإعالة بناتها في بلدها قيرغيزستان، وأضافت : «هذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة».
وكانت باري تعمل في القاعدة الأمريكية في العاصمة الأفغانية كابول، لكنها تركت العمل هناك لأن الوضع بات خطيراً للغاية، ثم أخبرها الجميع أنها ستعيش حياة أكثر هدوءاً في بغداد، لكن صاروخين أصابا الشارع بالقرب من السفارة في أول ليلة لها هناك.
لحظة فاصلة
منذ أكتوبر 2019، أطلق أكثر من 109 صواريخ «كاتيوشا» على مواقع توجد فيها قوات أمريكية في العراق.
ويقول التحالف إن الجماعات شبه العسكرية المدعومة من إيران تنفذ الهجمات.
ثم جاءت عملية قتل الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني في مطار بغداد في الثالث من يناير الحالي.
وكان ردُّ إيران بعد خمسة أيام بهجوم صاروخي على قواعد توجد فيها قوات أمريكية في العراق،
وأدت تلك الهجمات إلى اعتماد قواعد أمنية جديدة في جميع قواعد التحالف التي تضم قوات أمريكية في العراق.
وقال بعض الجنود الأمريكيين أن أي نشاطات خارج القاعدة حُظرت، ويتعين على أي شخص يسير في العراء، ارتداء معدات الحماية، بدءاً من غروب الشمس حتى الصباح الباكر.
كما نُقل العديد من قوات التحالف بمن فيهم جنود الناتو (حلف شمالي الأطلسي)، إلى الكويت.
علاقات متوترة
ولكن ثمة تطورات أكبر وأعمق يشعر بها ضباط الجيش الأمريكي في العراق منذ الهجوم الإيراني. فقاعدة «يونيون 3» هي المقر الرئيسي للقوات العراقية وقيادة قوات التحالف في حملتها ضد «تنظيم الدولة الإسلامية».
وقال باري : “عندما كنت هنا في آخر مرة، كان كل من الضباط الأمريكيين والعراقيين حريصين على إظهار عمق العلاقة بين الطرفين على المستويين المهني والشخصي لوسائل الإعلام، ويحرص كلا الجانبين على الحديث أمام الكاميرات عن هدفهما المشترك، وهو هزيمة التنظيم”.
وأضافت : “أما الآن، يتردد قادة التحالف في الظهور أمام الكاميرات، لقد ألقت التطورات الأخيرة بظلالها على ما كان «صداقة عظيمة».
لقد قُتل أيضاً نائب رئيس القوة شبه العسكرية الموالية لإيران، أبو مهدي المهندس، في الضربة الجوية التي استهدفت الجنرال سليماني، ومن المثير للاهتمام، أنه كان في هذه القاعدة بالذات في المنطقة الخضراء ببغداد قبل يومين فقط من وفاته.
ويمكن رؤية صورة المهندس على الحائط إلى جانب قادة عسكريين عراقيين آخرين في نفس الممر الذي قد يمر فيه مسؤولو التحالف يومياً.
وتدعم إيران الجماعة شبه العسكرية الشيعية التي تقودها، لكنها أيضاً جزء رسمي من قوات الأمن العراقية ولعبت دوراً رئيسياً في هزيمة التنظيم في العراق.
خلف الكواليس
قال اثنان من كبار مسؤولي التحالف في قاعدة «يونيون 3» أنهم لم يعلموا بالعملية التي استهدفت سليماني إلا في الصباح عندما تفحصوا هواتفهم.
وقال مسؤول كبير في التحالف فضل عدم الكشف عن هويته: «إذا كانت هناك عملية لا تحتاج إلى معرفتها، فلن يتم إخبارك بها».
وفي الليلة التي قُصف فيها سليماني وموكبه، ظن مشغلو الطائرات الأمريكية الذين يعملون خارج قاعدة بغداد في البداية أن هناك هجوماً صاروخياً على المركز الدبلوماسي في المطار حيث يوجد معظم دبلوماسيي التحالف وضباط المخابرات. لقد اُستهدف قبل أيام قليلة من الاغتيال.
وعندما رأوا الحريق بعد الانفجار، افترضوا أنه كان جراء ضربة جوية بطائرة مُسيّرة ، لأن الصواريخ لن تسبب هذا النوع من الحريق، لكنهم لم يكونوا متأكدين مِن مَن الذي قام بها.
حدث هذا بعد أيام قليلة فقط من قيام القوات الأمريكية بضربات جوية على مقرات ميليشيا كتائب حزب الله المدعومة من إيران، على جانبي الحدود بين سوريا والعراق، وجاء ذلك رداً على الهجمات الصاروخية على قواعد التحالف، وقد قتل ما لا يقل عن 25 من أعضاء هذه الجماعة الشيعية العراقية شبه العسكرية في هذه الضربات.
وتحولت جنازاتهم إلى مظاهرة كبيرة ضد الولايات المتحدة، وهاجم المشيعون السفارة الأمريكية في بغداد، فالهجوم بطائرة مسيرة بدون طيار عبر جميع الخطوط الحمراء، بحسب الجماعات الشيعية شبه العسكرية.
وعم الغضب في صفوف الجماعات من التحركات الأمريكية التي لا علاقة لها بمهمتها في دحر «تنظيم الدولة الإسلامية»، وطالب السياسيون والجماعات شبه العسكرية الموالية لإيران، بمغادرة القوات الأمريكية للأراضي العراقية فوراً.
لكن قوات التحالف تأمل بالشروع في ما تقول إنها المراحل الأخيرة من العمليات العسكرية ضد التنظيم، مع حلفائها العراقيين قريباً.
إن عدم اليقين هذا، هو ما يجعل القادة من كلا الجانبين يترددون في التحدث إلى وسائل الإعلام حول هذا الموضوع، وخاصة أن السياسيين قد يتناقضون معهم في اليوم التالي.
وقال مسؤول كبير في التحالف عمل في العراق عدة مرات خلال الحملة ضد التنظيم، وعمل عن كثب مع كبار القادة العراقيين «يتطلع فريقنا إلى المهمة ويؤمن بها، نحن نؤمن بالشعب العراقي، ونؤمن بقوات الأمن العراقية».
واعتاد هذا المسؤول أن يلتقي بنظيره العراقي يومياً تقريباً لشرب الشاي معا، ولكن منذ الهجوم الأخير، أصبحت علاقتهما أكثر رسمية.
وتشعر قوات الأمن العراقية بأنها عالقة وسط أزمة سياسية بين إيران والولايات المتحدة.
ويقول اللواء تحسين الخفاجي، المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق: «هذه ليست مشكلتنا، وليست حتى مشكلة عسكرية، هناك أزمة بين إيران والولايات المتحدة وضعونا نحن في الوسط بينهما».
وأضاف : ”رسالتي موجهة إلى كلا البلدين: لا تجلبا مشاكلكما إلى هنا».
ويقول الجيش العراقي إن توقف دعم التحالف في أعقاب وفاة الجنرال سليماني لم يترك لهم أي خيار آخر سوى مواصلة العملية ضد «تنظيم الدولة الإسلامية» بأنفسهم.
ويقول الخفاجي: «للمرة الأولى ، أطلقنا طائراتنا من طراز F-16 لشن غارات جوية على التنظيم».
«صحيح أننا نستطيع القتال وحدنا، لكننا لا نزال نتطلع إلى العمل مع التحالف إذا سمحت القضايا السياسية بذلك».
وفي الوقت الحالي، كل شيء يتأرجح في الميزان. لقد تحولت طبيعة التهديدات التي تواجهها القوات الأمريكية من عناصر «تنظيم الدولة الإسلامية»، إلى شيء مختلف تماماً.
ولدى الطيار الأمريكي أليخاندرو بينا، الذي أرسل إلى العراق قبل شهرين فقط، الكلمة الأخيرة في هذا الصدد.
«عندما تم تعيينا هنا، ظننت أنني قادم لمحاربة «تنظيم الدولة الإسلامية»، ولكن بعد شهرين فقط أدركت أنه ليس التنظيم فقط، بل ثمة آخرون أيضاً»
الوسومالقوات الأمريكية
شاهد أيضاً
بحضور المدير التنفيذي للمؤسسة الوطنية للإعلام: اختتام الدورة التي اقامتها هيئة الصحافة في مجالات الادارة الحديثة
اختتمت اليوم الخميس 21 نوفمبر بالهيئة العامة للصحافة الدورة التدريبية التي نظمتها الهيئة العامة للصحافة …