منصة الصباح

«‬فلسطين‭ ‬ليست‭ ‬عقارا‭ ‬يسوقه‭ ‬السمسار‭ ‬الرئيس‮»‬‭  ‬ (2/3)

 

‮بقلم/سليم يونس

ونحن‭ ‬نقارب‭ ‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬كأخطر‭ ‬مشروع‭ ‬تقوده‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بخلفية‭ ‬أيديولوجية‭ ‬صهيونية‭ ‬مسيحية،‭ ‬ويهودية‭ ‬صهيونيه‭ ‬قادها‭ ‬ترامب‭ ‬وصهره‭ ‬ونتنياهو،‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نعفي‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬مسؤولية‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬الحالة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬،‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬يعيشه‭ ‬الواقع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬لمسار‭ ‬قرر‭ ‬فريق‭ ‬فلسطيني‭ ‬المشاركة‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬ومع‭ ‬سبق‭ ‬الإصرار‭ ‬عام‭ ‬1993‭.‬
سيرورة
ليكون‭ ‬السؤال‭ ‬لماذا‭ ‬استمر‭ ‬التمسك‭ ‬بذلك‭ ‬الخيار‭ ‬حتى‭ ‬إعلان‭ ‬صفقة‭ ‬القرن؟‭ ‬فيما‭ ‬المنطق‭ ‬يقول‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يسير‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة‭  ‬بفعل‭ ‬قانون‭ ‬التراكم،‭ ‬ويصبح‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬غياب‭ ‬ليس‭ ‬التقدير‭ ‬فقط‭ ‬ولكن‭ ‬الخطط‭ ‬العملية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لمواجهة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يرتب‭ ‬عمليا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السمسار‭ ‬ترامب‭ ‬ورئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬جملة‭ ‬السياسات‭ ‬الصهيونية‭ ‬المنفذة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والمواقف‭ ‬الأمريكية‭ ‬الداعمة‭ ‬للرؤية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬بالحل‭ ‬السياسي،‭ ‬الذي‭ ‬أفرغ‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬والحل‭ ‬السياسي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭  ‬من‭ ‬مضمونه،‭ ‬عبر‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬القدس‭ ‬هي‭ ‬العاصمة‭ ‬الموحدة‭ ‬الأبدية‭ ‬لكيان‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ونقل‭ ‬سفارتها‭ ‬إليها‭ ‬وتحريض‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬تحذو‭ ‬حذوها،‭ ‬وإضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الاستيطان،‭ ‬وقطع‭ ‬تمويلها‭ ‬عن‭ ‬وكالة‭ ‬غوث‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬والتحريض‭ ‬عليها،‭ ‬واعتبار‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬دولة‭ ‬قومية‭ ‬يهودية‭.. ‬ليكون‭ ‬السؤال‭ ‬لماذا‭ ‬ظلت‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬متشبثة‭ ‬بخيار‭ ‬أوسلو‭ ‬عمليا‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الإجراءات‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬أفرغت‭ ‬موضوع‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬محتواه،‭ ‬ورغم‭ ‬تأكيد‭ ‬السطلة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬اليومي‭ ‬نظريا‭ ‬أن‭ ‬أوسلو‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬موجودا،‭ ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬وفاء‭ ‬كيان‭ ‬الاحتلال‭ ‬بأي‭ ‬من‭ ‬التزاماته‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاتفاق‭ ‬المشؤوم‭ ‬وفقط،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬جرى‭ ‬ترسيخ‭ ‬وقائع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬تنفي‭ ‬موضوعيا‭ ‬أي‭ ‬أفق‭ ‬لحل‭ ‬الدولتين‭ ‬وبدعم‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬أمريكا،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬الطرف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يعول‭ ‬على‭ ‬النوايا‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والأمريكية،‭ ‬وينتظر‭ ‬منهما‭ ‬حلا‭ ‬يستجيب‭ ‬لحقوقه‭ ‬في‭ ‬حدها‭ ‬الأدنى؟‭ ‬وهو‭ ‬تعويل‭ ‬كانت‭ ‬تنفيه‭ ‬الوقائع‭ ‬اليومية‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬اعتراف‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬واردا‭ ‬لدى‭ ‬الكيان‭ ‬الغاصب‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كشفه‭ ‬اليهودي‭ ‬الصهيوني‭ ‬جاريد‭ ‬كوشنير‭ ‬صهر‭ ‬ومستشار‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬لصحيفة‭ ‬القدس‭ ‬من‭ ‬أنه‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬خلال‭ ‬مفاوضات‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إسرائيل‭ ‬مستعدة‭ ‬للاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‮»‬‭.‬
الوقائع‭ ‬ووهم‭ ‬حل‭ ‬الدولتين
ولعل‭ ‬جذر‭ ‬المسألة‭ ‬فيما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬الحالة‭ ‬السياسية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الآن،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬واضحة‭ ‬منذ‭ ‬البدء‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬مآلاته‭ ‬النهائية،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬القائم‭ ‬عند‭ ‬عقد‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يسمح‭ ‬بانتزاع‭ ‬حل‭ ‬سياسي‭ ‬يأتي‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬وفق‭ ‬الرؤية،‭ ‬أو‭ ‬الطموح‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ممكنا‭ ‬موضوعيا‭ ‬الآن،‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬جري‭ ‬تكريسه‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وتشريعه‭ ‬صهيونيا‭ ‬وأمريكيا،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬بقي‭ ‬الرهان‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مستمرا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬خيار‭ ‬أوسلو‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يأتيه‭ ‬بحل‭ ‬سياسي،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬العبث‭ ‬بمعناه‭ ‬الفكري‭ ‬والسياسي،‭ ‬كونه‭ ‬رهان‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬أساس‭ ‬موضوعي‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تبادر‭ ‬الجهات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باجتراح‭ ‬إجابات‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬الوقائع‭ ‬الجديدة‭ ‬حتى‭ ‬جاءت‭ ‬صفقة‭ ‬ترامب‭. ‬
‭ ‬لماذا‭ ‬وصلنا‭ ‬هنا؟
قد‭ ‬يتساءل‭ ‬البعض‭ ‬ما‭ ‬جدوى‭ ‬جلد‭ ‬الذات‭ ‬الآن،‭ ‬وأنا‭ ‬أقول‭ ‬كيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نواجه‭ ‬صفقة‭ ‬ترامب‭ ‬وصهرة‭ ‬الصهيوني‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نراجع‭ ‬تلك‭ ‬المسيرة‭ ‬البائسة‭ ‬ونخرج‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الصندوق،‭ ‬ومغادرة‭ ‬ذلك‭ ‬المسار‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي‭ ‬والكفاحي‭ ‬والتعبوي،‭ ‬كون‭ ‬التصدي‭ ‬لصفقة‭ ‬ترامب‭ ‬تحتاج‭ ‬هذه‭ ‬المراجعة‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬دروسها‭ ‬المؤلمة،‭ ‬مع‭ ‬قناعتي‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬مهما‭ ‬عظمت‭ ‬وتجبرت،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجبر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬التفريط‭ ‬في‭ ‬حقوقه‭ ‬الثابتة‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصر‭ ‬وتحقيق‭ ‬العودة‭ ‬أمام‭ ‬الـ‮»‬لا‮»‬‭ ‬الفلسطينية‭.‬
لكن‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬كي‭ ‬نحصن‭ ‬هذه‭ ‬الـ»لا‮»‬‭ ‬ونواجه‭ ‬عملية‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬معا،‭ ‬أن‭ ‬نضيء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الخيار‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني‭  ‬الذي‭ ‬أوصلنا‭ ‬إلى‭ ‬صفقة‭ ‬القرن،‭ ‬وهي‭ ‬مقاربة‭ ‬تستهدف‭ ‬تبيان‭ ‬خطل‭ ‬الخيار‭ ‬والسياسات،‭ ‬وهي‭ ‬تتعدى‭ ‬الأشخاص؛‭ ‬كون‭ ‬هذا‭ ‬الخيار‭ ‬كان‭ ‬خيار‭ ‬طيف‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬صدّق‭ ‬أن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمكِّنه‭ ‬من‭ ‬إقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة،‭ ‬لأن‭ ‬السؤال‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬سيجبر‭ ‬ذلك‭ ‬الكيان‭ ‬العدواني‭ ‬الغاصب‭ ‬العدواني‭ ‬على‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسميها‭ ‬التنازلات‭ ‬المؤلمة‭ ‬للطرف‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬وطنيا‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الضعف‭ ‬والانقسام،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬زحف‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بالظهير‭ ‬الرسمي‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬نحو‭ ‬التطبيع‭ ‬معه،‭ ‬بل‭ ‬ويعلل‭ ‬هذا‭ ‬الزحف‭ ‬باتفاق‭ ‬أوسلو‭.‬
مشكلة‭ ‬بنية‭ ‬أوسلو
‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يهمنا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة،‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬فيما‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬يبني‭ ‬المستوطنات‭ ‬ويصادر‭ ‬الأرض،‭ ‬كان‭ ‬فريق‭ ‬أوسلو‭ ‬يعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاستاتيكية‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية،‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬مواكبة‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬تجليات‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ورد‭ ‬فعله‭ ‬الشعبي‭ ‬والعنفي‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬الصهيونية،‭  ‬هذا‭ ‬القصور‭ ‬في‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الحالة‭ ‬الشعبية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باستثناء‭ ‬بعض‭ ‬حالات‭ ‬التوظيف‭ ‬المحسوب‭ ‬منها،‭ ‬كان‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬مغادرة‭ ‬أوسلو،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يُقدم‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬بدائل‭ ‬لمسار‭ ‬أوسلو،‭ ‬كون‭ ‬تلك‭ ‬البدائل‭ ‬ستمثل‭ ‬حالة‭ ‬قطع‭ ‬مع‭ ‬أوسلو،‭ ‬لأنها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬خيارا‭ ‬سياسيا‭ ‬هي‭ ‬خيار‭ ‬فكري،‭ ‬وسيكون‭ ‬لها‭ ‬بالضرورة‭ ‬تبعاتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬ارتباطا‭ ‬ببنيتها،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مستعدة‭ ‬لسلوك‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬الكفاحي‭ ‬حتى‭ ‬بالمعنى‭ ‬العملي‭ ‬والسياسي،‭ ‬الذي‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬كلفة‭ ‬مؤلمة‭ ‬وربما‭ ‬يعود‭ ‬عدم‭ ‬استعداد‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬العجز‭ ‬وفقدان‭ ‬الإرادة،‭ ‬بتأثير‭ ‬تلك‭ ‬البنية‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬البعض‭ ‬أسير‭ ‬مخرجات‭ ‬أوسلو‭ ‬الذي‭ ‬تجلى‭ ‬في‭ ‬التمسك‭ ‬بالتنسيق‭ ‬الأمني،‭ ‬العنصر‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬فاعلا‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬المدة‭ ‬البائسة،‭ ‬وكان‭ ‬لصالح‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬حصرا‭. ‬

 

شاهد أيضاً

التوتر واثاره الصحية

د.علي المبروك أبوقرين   في ظل الظروف التي تمر بها البلاد والمنطقة منذ أكثر من …