نقطة بيضاء
بقلم : مربم سلامة
البحـث فـي الهويـة هـو بحـث فـي قصـي منسـي.. معتــم أو يــكاد.. نبــش فــي أوراق مســها خــدش مــن نســيان وإغفــال.. أو جانــب مــن غمــوض والتبــاس.. تســتقي مكتوبهــا مــن مــواد عديــدة مبعثــرة.. زائلــة وقائمـة.. مقاومـة وغيـر مقاومـة للصـدأ والاندثـار..
مــن ذاكــرة تنشــط حينــا مــن الدهــر وتخمــد حيــن أخــر.. ينفتــح فيــه بــاب الأســطورة ,إن لــم نقــل الخرافــة, علــى مصراعيــه. فالمعــارف دائــرة تمتــد فـي دوائـر عديـدة.. كل دائـرة قـد تكـون نقطـة نهايـة لبدايــة أخــرى.ولكـن الإنسـان هنا..وهنـا ارض طقسـها الاسـتقرار ُ والبقــاء لمــن جبــل علــى المواطنــة..
فــالأرض هــي الوطـن.. هـي شـغف العيـش تحـت سـماء واضحـة.. وفـوق تـراب يتخذ مسـكنا ومدفنـا.. والتـراب يخضـع لهــوى الأطلــس فيكــون الســاحل عنــد البحــر بمــزاج ازرق.. والجبـل ظهـر اخضر..والصحـراء الأزل والأبد المهــد واللحــد قــد لا يناســبها ســوى الأصفــر أو أطيــاف مــن قــوس قــزح فهــي وان تنوعــت وتعــددت فيهــا المظاهــر يظــل طابعهــا الرملــي هــو الغالــب.هنــا فــي الســاحل والجبــل والصحــراء يســكن النــاس.. والنــاس أجنــاس ربهــم واحــد ووطنهــم واحـد..
فلننتبـه إلـى ذاكـرة يـرن ناقوسـها فـي أوراق مبعثــرة وأخــرى منســية.. ولنغتســل فــي قبــس فجــر خــرج مــن غــار ليــل فــي زمــن قصــي ليشــد الرحــال نحــو طريــق يمتــد مــن جــرس يــدق إلــى هويــة تعلــن حضورهــا فــي هــذه الأرض.
ولنحلــق فــي أنغــام موسـيقانا الخالـدة المتوارثـة عـن الأحـداد عـن طيـب خاطــر ومحبــة الأحفــاد. ليبيــا الأرض الأم زيتونــة لا شــرقية ولا غربيــة ولكـن جذرهـا فـي الأرض ثابـت وفرعهـا فـي السـماء ممتــد وهــي فــي الصحــراء العمــة نخلــة.مـن يبحـث عـن هويـة فـي مجهـول, ترامـت أطرافـه وتباعــدت دروبــه وتباينــت أوصافــه وتبعثــرت أثــاره واختلطــت أوراقــه وتشــابكت خطوطــه والتبســت رمــوزه, تأخــذه زيتونــة الجبــل مــن غــوص فــي رمــال متحركـة إلـى مثـل سـائر »اللـي مـا عنـده زيتونـة فـي أم الطبـول مـا عنـده كان الهـول«. وأخـر يقـول »اللـي مـا عنـده قرمـة فـي غريـان.“ الهويـة تكتـب عنوانهـا بالحبــر الســري فــي ســفر الأرض فــي هــذه الجــذور المباركــة لشــجرتي الزيتــون والنخلــة.
هي الجسد الحي الحامل لمفتاح الهوية. لننتعـل الطريـق ونمضـي إلـى موطـن هـذه الزيتونـة فــي ســفح الجبــل ونبحــث فيهــا وفينــا عــن هويــة الاسـتقرار و هـوى البقاء..فـي ظـل غريزتهـا للبقـاء.. و نكتفــي بهــذه الغريــزة. هـي هنـا ونحـن هـي..
عودنـا مـن عودهـا ودمائنـا مــن زيتهــا وذاكرتنــا أغصانهــا المتشــابكة وأوراقهــا الخضـراء الدانيـة وقرمتهـا هويتنـا .. أجيـال تمضـي تحـت ترابهـا وتظـل هـي تحمـل الجينـات إلـى أجيـال قادمــة.. نتقاســم معهــا البقــاء والبهــاء والفنــاء بمشــيئة اهلل وهــو يــرث الأرض ومــن عليهــا. هــي الزيتونــة.
ذاكــرة الأرض.. الأرض التــي نعيــش منهــا وعليهــا وندفــن فيهــا. نحـن الليبيـون فـي ليبيـا ومـن ليبيـا.. نتكلـم لسـانا ليبيـا ونستنشـق هـواء ليبيـا.. ونرتـدي سـحنة ليبيـة..
ونــأكل مــن شــجرة ليبية..ونبنــي مــن حجــر ليبــي.. ونمــارس طقســا ليبيــا.. أفراحــا وأتراحــا.. وأخيــرا نرقـد فـي تـراب ليبـي. فلمـا السـؤال عـن قبيلـة تراهـا و تسـمعها وتلمسـها قبـل أن يجيبـك اللسـان؟