تــم اســتعارة الأســطورة للواقــع بحيــث لا فوقيــة تتبناهــا الأســطورة عــن الواقــع وباعتبــار تحــول هــذا الواقــع إلــى أســطورة لــم يعــد التخيــل يشــكل ملهاتـه المضحكـة فقـط بـل حـد خـروج الضحــك عــن فائــض اللامعقــول وإذا كانـت هـذه الأسـطورة لهـا جناحـا التخيـل منـذ طفولـة الإنسـانية الأولـى بمـا كانـت تنتــج بافتــراض الممكــن لتســتريح فــي ظلـه عقليـة مضطربـة علـى واقـع مربـك ظل أساســا فــإن الواقــع بمــا يفاجــأ العقليــة المدركــة اليــوم يشــكل جحيــم التصــور المســبق مــن تخبــط سياســي وهشاشــة اجتماعيــة وأزمــة اقتصاديــة فيمــا نشـاهده ونلمسـه مـن غرائبيـة أصبحـت تنعكــس علــى بســاطة الحيــاة ذاتهــا !..
قــد يحمــل الســؤال نقيضــه وهــو يبحــث عــن الإجابــة فــي الأدب مثــا كانعـكاس لهـذا الواقـع وهـو يتماهـى فـي صورتــه ممــا يجعــل الأســطورة كنقطــة تــاق مجــددا لمــا حملــه الواقــع مــن تغييـر ..
هـذه الأسـئلة التـي قـد تتفـرع عـن اسـئلة أخـرى وهـو مـا تـم مالحظتـه فـي هـذا الاسـتطلاع عنـد بعـض الكتـاب لاشـك أن المثقفيـن أكثـر حساسـية فـي مواجهــة هكــذا ســؤال بشــقه الفلســفي والثقافــي والأدبــي وبأبعــاده الإنســانية التــي تشــكل افرازاتــه الظاهــرة.
استطلاع :عبدالحكيم كشاد
الواقع العربي أصفه (بالفانتازيا)
يتراجع العقل وتنتشر الخرافات وتعم الفوضى
فتحي نصيب.. كاتب وقاص….
أود الإشـارة فـي البـدء إلـى أن الأسـاطير لا تعنـي الخرافـة أو التهويمــات الخياليــة ، بــل أرى أن الأســطورة هــي أول مراحــل العلم .
حيــث حــاول العقــل أن يفــك أســرار الطبيعــة والحيــاة مــن خــال ربــط (الســبب – النتيجــة ) أو (العلــة – المعلـول ) للإجابـة عـن تسـاؤلاته قبـل الدخـول فـي مرحلـة العلـم التجريبـي الـذي يخضـع الظواهـر الماديـة إلـى عنصري التجربـة والقيـاس وصـوال إلـى التوقـع والتنبـؤ، ليتحكـم فـي الطبيعــة .
أمــا عــن الواقــع العربــي الراهــن والمعــاش فإننــي أصفــه )بالفانتازيــا )، حيــث يغيــب المنطــق ويتراجــع العقــل وتنتشـر الخرافـات وتعـم الفوضـى فـي أغلـب مناحـي الحيـاة السياســية واالجتماعيــة .
هــذا الحكــم ليــس تجنيــا ولا مبالغــة بــل أنــه يظهــر جليــا لـكل مـن يمتلـك بصيـرة وبصـرا ، مـا يدفـع المـرء إلـى حافـة الجنـون فـي محاولـة قـراءة الواقـع وفهـم تشـابكاته مـن ناحيـة والتوافــق معــه كواقــع معــاش مــن ناحيــة أخــرى وكمــا يقــول هيجــل (كلمــا ازددت وعيــا ازددت شــقاء (.
هنـاك مـن يتماهـى مـع هـذا الواقـع وهنـاك مـن يرفضه ، إلا أن المعضلـة تكمـن فـي غيـاب بوصلـة تقـود إلـى الحـل السـليم وأولــى الخطــوات هــي الاعتــراف بأننــا ( مجتمعــا ونخبــا( مصابــون بمــرض كوننــا أننــا نعيــش خــارج التاريــخ ، وأننــا منفعليـن ولسـنا فاعليـن ، وأننـا نسـير بقـوة الطاقـة البخاريـة فــي حيــن باقــي الأمــم تســير بقــوة الطاقــة الكهربائيــة، وأن المســافة بننــا وبينهــم تتســع بمتواليــة هندســية منــذ قــرن.
لـذا دون محاولـة تشـخيص الواقـع بـكل مرارتـه وغرائبيتـه وفواجعــه فإننــا لــن نكتشــف العــلاج الناجــع ونظــل نتراجــع حتــى مرحلــة أحالتنــا إلــى المتاحــف كنمــوذج حــي علــى أمــة تســير إلــى الــوراء فــي تســارع غيــر مفهــوم
.لا أرغـب أن أعـدد فواجعنـا والتـي منهـا أن الأمـم الأخـرى.
– حتـى التـي كانـت أدنـى فـي وقـت قريـب- تحقـق منجـزات اقتصاديـة وعلميـة وفكريـة أكبـر مـن ممـا فعلنـاه خـال قـرن، نسـبة الأميـة الابجديـة والثقافيـة تزيـد ولا تنقـص، نسـتهلك أكثـر ممـا ننتـج، الفجـوة الاقتصاديـة فـي صالـح الآخريـن، لـم نحقـق تنميـة بشـرية ونسـبة البحـوث العلميـة صفـر تقريبـا، كل عربـي يمسـك بخنـاق الآخـر ، ليـس بيـن قطـر وقطـر بـل داخـل البلـد الواحـد بـل وربمـا داخـل المدينـة الواحـدة ، صـار المـرء يـرى حلمـه يتبخـر وطموحـه يتلاشـى وآمالـه تتحطـم لأنـه لـم يسـتطع حـل التناقـض المعـاش بيـن واقـع ( كابوسـي) وحلـم ( ينـأى) وزمـن ( مفقـود(..
لا حــل يلــوح أمامنــا إلا تعلم فــن العيــش المشــترك وأن نلحــق بركــب العلــم ومحاربــة الجهــل وعــدم الالتجــاء الــى الحلــول الســحرية والقدريــة ، بغيــر ذلــك ســنكون محنطيــن إلــى جانــب الديناصــورات !
لم تكن الأسطورة غائبة عن إعادة ذاتها في الأدب
د . مأمون الزائدي كاتب ومترجم…
يسـعى الخيـال فـي الأسـطورة لفهـم وجـود الإنسـان ككائـن ويتداخــل مــع التاريــخ فــي تفســير وجــود الإنســان الثقافــي، ترتبــط الأســاطير دائمــا بالمــكان وبالثقافــة، ويبقــى الخيــال وهــو الوجــه الآخــر للواقــع مرتبطــا بالبيئــة وعناصرهــا .
فالأســطورة مرحلــة مــا بيــن الحقيقــي والمتخيــل وتظــل فــي جـزء كبيـر منهـا محاولـة شـجاعة وجـادة مـن الإنسـان للحفـاظ علـى بقائـه ولـو باسـتعارة بقـاء موهـوم تكون فيه الظـروف أكثر ويكـون فيهـا أكثـر نجاحـا. الأسـطورة والتاريـخ وسـيلتان فهمـا يفهـم الإنسـان مـن خلالهمـا نفسـه ويعـي شـروط بقائـه. ولكـن مـا يميـز هذيـن النظاميـن بعضهمـا عن بعض، بشـكل أساسـي،
هــو أن الفكــر الحديــث قــد أحــل أفعــال الإنســان وقوانيــن التطــور، كمحــرك للتاريــخ، محــل مشــيئة الآلهــة الأســطورية وأفعالهــا.
وهكــذا فــإن المنهجيــة العلميــة الحديثــة لا تجــد فهمـا واضحـا لحالـة التخلـف التـي نعيشـها إلا طبيعـة الثقافـة المتناقضـة التـي نتخبـط فيهـا.
وحالـة الأسـطورة الدينيـة إن صــح التعبيــر التــي نســتعملها لتفســير الواقــع وفهمــه.
وهــذا ليــس للقــول بــأن الديــن أســطورة فــي حــد ذاتــه بــل للتأكيــد علــى إن اســتخدام الديــن فــي تفســير مــا هــو كيميائــي أوسياســي أو فســيولوجي لا يعــدو كونــه اســتعادة لاســتخدام الإنســان الأول للأســطورة فــي فهــم حركــة النجــوم ونســبتها إلــى مــزاج الآلهــة.
إن وجودنــا الغائــب ضمــن هــذا الكوكــب دعـا شـركاءنا (الآخريـن)إلـى إيقاظنا-بطريقتهـم – مـن هـذا السـبات الوجـودي حيـن لـم نسـتيقظ لوحدنـا، فإمـا أن نفيـق ونتـدارك شـروط بقائنـا ضمـن المجموعـة البشـرية أو ندفـن إلـى الأبـد مثـل أي جثـة انتهـت مـن الحيـاة.
وفـي هـذا السـياق يأتـي هـذا الوضـع الكابوسـي الـذي نتعـرض لـه وهـذا الافتعـال المتعمـد للخـراب علـى مسـتويات السـلطة الحاكمـة والضابطة أول ثـم علـى كل المسـتويات الأخـرى.
والمتأمـل لهذا الأسـلوب يسـتنتج دون عنـاء أنـه لا معنـي لوجـود سـلطة لـم تنتـج إنسـانا مـع الآخريـن وهـي واعيـا بذاتـه ووجـوده ومسـاهما متعايشـا لا تعـدو كونهـا سـلطة قمعيـة فاسـدة مهمـا تبجحـت.
فالوعى لحديـث بمكانـة الإنسـان يتطلـب امتحانـا فعليـا لـكل ادعاءاتنـا التــي كنــا نطلقهــا ونحــن فــي راحــة مصطنعــة تامــة. قيمنــا لمجتمعيــة، أخلاقنــا، أحكامنــا، ومشــاعرنا، وأولوياتنــا كلهــا تتعــرض إلــى اختبــار الواقــع ومــا يصمــد منهــا هــو الحقيقــي ومـا يذهـب هـو مجـرد ادعـاءات وأحـلام لـم نسـع فعـلا إلـى تحقيقهـا.
لكـن عندمـا سـقط الطغـاة لـم يتحـرر الإنسـان بـل أنتـج طغاتـه الجـدد.
فـي إشـارة لغيـاب تـام لمرجعيـة أخلاقيـة تنظـم حيـاة الأفـراد وسـلوكهم. وصرنـا البرابـرة الجـدد وهمـج الألفيـة الثانيـة. نحـن ندعـي بـأن مرجعيتنـا الأولـى هـي الدين،ونحــن نشــهد هــذا القتــل والدمــار الــذي يحرمــه كل ديــن .
لذلـك فـإن الخطـوة الأولـى للتخلى عـن عقليـة الأسـطورة هـي إدراكنـا أن الديـن قـد تحـول علـى يـد فقهائـه ومفسـريه إلـى سـلطة قمعيـة لا علاقـة لهـا بـالله أو تعاليمـه. وبعـد أن يتحـرر الإنســان مــن أوهامــه وخرافاتــه ويفصــل تمامــا بيــن الديــن الإسـلامي والفقيـه التوراتـي ويسـتعيد إيمانـه بوجـوده وثقتـه قبل علـى الحيـاة التـي فـي قدرتـه علـى العيـش. لا شـك انـه سيقبل علـى الحيـاة التـي ســيكون المســؤول الأول عــن صناعتهــا وحينهــا ســيدرك أن القيـم الإنسـانية النبيلـة حقـاً لا تمـس أي ديـن او تنتقـص منـه.
وهــي ليســت حكــرا علــى الغــرب أو الشــرق وليســت غــزوا أو انتهـاكا للهويـة الثقافيـة أيـا كانـت. وبإصـاح هـذه المنظومـة العقديـة لا يجـد الدكتاتـور مـن يبـرر وجـوده بنـص دينـي، ولـن يقتنــع النــاس بالإذعــان غيــر المبــرر ســوى الصبــر المأجــور،ولــن يجــد الشــباب مــن يســتثمر غرائزهــم، سيســتخدم النـاس حقهـم فـي الحديـث إلـى مـن يتولـى السـلطة وانتقـاده ومحاسـبته وسـينتهي هـذا الفسـاد الفاحـش الـذي يستشـري فـي جميـع مسـتويات حياتنـا. لأننـا سنسـتعيد الإنسـان الحـر وهـو المحـرك.
يسعي الخيال في الأسطورة لفهم وجود الإنسان
ككائن ويتداخل مع التاريخ في تفسير وجود الإنسان الثقافي
فاطمة بن محمود شاعرة وكاتبة تونسية…
ســأتناول الموضــوع مــن شــق أدبــي فــالأدب هــو مــن يعيــد ترتيــب الأشــياء مــن حولنــا مهمــا اتســمت مــن غرائبيــة وفوضـى وعبـث وكل أدب حقيقـي هـو اسـطورة قائمـة بذاتهـا ولـم تكـن الأسـطورة غائبـة عـن إعـادة ذاتهـا فـي الأدب كنتـاج والاختــلاف هنــا يكمــن.
فــي التحــول مــن الشــكل إلــى الــروح فــي جســد النــص الادبـي والروائـي مثـا ّ فجـر أسـطورته فـي مـا يسـمى بـأدب بالخيـال العلمـي وهـو لـون خـاص مـن الأدب حمـل ابتـكارات الأفــكار وأســطر الواقــع فــي أعمــال روائيــة عديــدة أعتــرف ان الســؤال ثــري و مهــم جعلنــي اختبــر معلوماتــي و اســتنجد بقوقــل الكتشــف إن هنــاك روائييــن فــي الخيــال العلمــي مثــا لــم يقــع التعريــف بهــم فــي الادب العربــي.
مــن ذلــك ان الكنــدي “ســيلفان نوفيــل” و أيضــا الأمريكــي “كريــس ساكســونيم” الــذي ترجــم ل 22 لغــة لــم يترجــم بعــد للعربيـة أظننـي أول مـن تستشـهد بهمـا فـي مقالـة لذلـك أظـن إنـي سـأعود إلـى هـذه الورقـة الشـتغل عليهـا و تكـون ضمـن فصـل فـي كتـاب أنـا بصـدده
يبقى الخيال هو الوجه الآخر للواقع،
فالأسطورة مرحلة ما بين الحقيقي والمتخيل
عزيز باكوش كاتب…..
قبــل أن نشــرع فــي تفكيــك بنيــة الســؤال نســتوضح أي اقــع نقصــده؟
الواقع العربي؟
من أية زاوية تتم المقاربة؟
سياسيا ثقافيا اجتماعيا ؟
وإذا كانــت الأســطورة هــي الأعمـلاق هــي التاريــخ الدفيــن هــي الحقائــق والوقائــع والأشــياء .
هي الماضي المهيب الراسخ الضارب فيه.
لنتجــرع طعــم الهزيمــة ونقــول بصــوت واحد…الواقــع العربــي أحــد صيــغ الأســطورة…
فهــو خليــط مهجــن مــن هــذا الشــريط الطويــل مــن الانهيــارات والهزائــم والنكبــات…
أن العـرب هـم الشـعب الوحيـد الـذي يمتلـك قـدرات جبـارة لتحويـل الهزيمـة إلـى انتصـار….
ولأن الانتصــار وهمــي فــإن تمثلاتــه فــي ذهــن الأجيــال تعتريــه صفــات مشــبوهة .
غير مستقرة
وتداولــه باســتيهامات عنتريــة ..يجعــل منــه شــكال فنتازيــا ليــس لإ.
مـا أحـوج العـرب اليـوم إلـى نبـذ الفكـر الاسـطوري وتجـاوزمطباته.
فالتاريــخ …لا يحتــاج إلــى تلميــع كــي يكــون ســندا فــي حلحلــة انتكاســات الزمــن العربي…الراهــن.
والتخلـف الـذي يثخـن الجـرح العربـي اليـوم لا يحتـاج الـى 50 تفسـيرا اي 50وجهـة نظـر أي 50حزبـا سياسـيا… فهذا مـن شـأنه أن يخلـق العبـث السياسـي الـذي لا أفـق لـه….
لنجــرب ولــو لمــرة واحــدة نبــذ الأســطورة مــن ذاكرتنــا كهرب…نقــد الأسطورة.. وتبعاتها… لنجرب كعرب.