هواة يجهلون حركة التاريخ
علي الدلالي
تابعت الكثير من التصريحات والتلميحات لعدد من “الهواة البائسين” الذين قفزوا من العدم على المشهد الليبي، لا يفقهون شيئا في التاريخ أو السياسية، يطالبون بتقليص الوجود الليبي في أفريقيا وغلق السفارات، وينظرون في المقابل إلى الشمال حيث “الألدورادو” الغربي الوهمي.
شكلت ليبيا الممتدة على الحزام الصحراوي الإفريقي لآلاف الكيلومترات، نقطة تواصل، منذ الأزل، مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء حيث أسس الليبيون القدامى حضارة الساحل الإفريقي ومماليكه وحضارة النيل بحسب الأبحاث الأكاديمية للمؤرخ وعالم الأنثروبولوجيا والفيزيائي السنغالي شيخ أنتا ديوب(1923 – 1986) ثم عبر تجارة القوافل، وتعزز دور الموقع الإستراتيجي لليبيا مع الفتوحات الإسلامية، ولم تغفل دولة الإستقلال عن الإنتماء الإفريقي لليبيا وتعمق هذا الإنتماء في عهد نظام العقيد الراحل معمر القذافي.
إن الأصوات البائسة لهؤلاء الهواة الذين ينادون اليوم بتقليص التواصل والتواجد الجيوسياسي الليبي في القارة السمراء يجهلون بالفعل اشتراطات الجغرافيا والسياسة وحركة التاريخ.
ترقد الموارد الأساسية للحياة في ليبيا (النفط والماء تحديدا) في الجنوب والجنوب الشرقي تحت رمال الصحراء الليبية على تخوم القارة السمراء وتجاور ليبيا في الجنوب والجنوب الشرقي ثلاث دول أفريقية تُعتبر اليوم، رغم ثرواتها المنجمية والطاقية والمائية الهائلة (نهر النيجر وبحيرة تشاد ونهر النيل)، وبسبب السياسات النيوكولونيالية، من بين أفقر دول العالم، وتشكل نقطة وصل بين شمال القارة وجنوبها، ولديها كثافة سكانية عالية معظمها دون الـ 20 عاما، النيجر (20 مليون نسمة وفق إحصائيات 2018 نصفهم أقل من 18 عاما)، تشاد (17 مليون نسمة بحسب احصائيات 2021 نصفهم أقل من 14 عاما)، السودان (35.5 مليون نسمة بحسب إحصائيات 2014 نصفهم أقل من 20 عاما)، وهي أرقام يتعين على هؤلاء “الهواة البائسين” التمعن فيها جيدا قبل أن يرقصوا على أوهام الغرب الاستعماري النيوكولونيالي.
منذ مطلع الألفية وجهت القوى العظمى الاقتصادية والعسكرية في العالم، منها الولايات المتحدة والصين وروسيا واليابان وتركيا وقبل ذلك فرنسا، مدفوعة بالتنافس الذي فرضته المتغيرات الدولية، تركيزها على عقد قمم سنوية مع دول الإتحاد الإفريقي، للوصول قبل كل شيء إلى الموارد المنجمية والثروات المعدنية النادرة والطاقات الجديدة والمتجددة الهائلة ومخزونات المياه الكبرى والأراضي الزراعية الشاسعة غير المستغلة في القارة السمراء البكر.
وتتوفر القارة الأفريقية على أغنى تجمع للموارد الطبيعية في العالم مثل النفط والنحاس والماس والبوكسيت والليثيوم والذهب وغابات الأخشاب الصلبة والفواكه الاستوائية.
وتشير الدراسات العالمية إلى أن ما بين 30 و40 في المائة من الموارد المعدنية المستخرجة من الأرض موجودة في القارة الأفريقية، إلى جانب توفر هذه القارة على أكبر احتياطيات للمعادن النادرة والثمينة التي ستطلُبها الصناعات المتطورة المؤسسة على التكنولوجيات عالية الدقة في العالم، منها صناعة البطاريات الكهربائية ورقائق الهواتف الذكية وغيرها.
في العام 2010، على سبيل المثال لا الحصر، كانت لدى تركيا أربع سفارات في القارة الأفريقية وتصل الخطوط الجوية التركية إلى ستة مطارات أفريقية فقط، اليوم لدى تركيا 44 سفارة في أفريقيا وتصل الخطوط التركية إلى 45 مطارا في القارة وعلى “الهواة البائسين” أن يتساءلوا لماذا؟ ولعلهم قرأوا، لو كانوا يقرأون، ماذا حدث لمصر عندما أدارت ظهرها للقارة الأفريقية منذ وصول الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى السلطة وتخلت عن دورها في القارة بالكامل بعد محاولة اغتياله (مبارك) عام 1995 في أديس أبابا وكيف فتح ذلك الطريق أمام أثيوبيا لبناء مشروع سد النهضة الذي قد يكون “سد العطش للمصريين”.
ومن هنا نعتقد أنه يتعين على هؤلاء “الهواة البائسين” الذين كشفوا عن عجزهم وجهلهم وأسكرتهم الكراسي، والذين يطالب بعظهم بجوازات سفر دبلوماسية لهم ولأسرهم مدى الحياة، إما حمل حقائبهم والرحيل لأن أرض ليبيا أفريقية أو العودة إلى مقاعد الدراسة لتعلم أنشودة الحروف (ألف باء).