قراءة واقعية في المخاوف من ترحيل المهجّرين والمجرمين
—————
بقلم: د. مجدي الشارف الشبعاني
……..
أستاذ القانون العام المساعد– الأكاديمية الليبية للدراسات العليا
——————
تناقلت وسائل إعلام دولية، وفي مقدمتها شبكة CNN، تقارير تفيد بوجود مناقشات سابقة حول احتمال نقل مهاجرين أو مدانين بجرائم إلى ليبيا ضمن ترتيبات ما يُعرف بالدولة الثالثة الآمنة. وقد سارعت جميع الجهات الرسمية في ليبيا، شرقًا وغربًا، إلى نفي هذه المزاعم بشكل قاطع، وهو ما يُحسب لها من حيث سرعة الرد وتوحيد الموقف الوطني.
لكن، وبرغم هذا النفي، تظل هذه التقارير مثيرة للقلق، وتطرح تساؤلات مشروعة حول مدى واقعية هذه السيناريوهات، وإلى أي حد يمكن أن تستغل بعض الأطراف الدولية هشاشة الوضع الليبي لفرض مثل هذه التفاهمات أو تمريرها بأشكال غير مباشرة.
سيادة منقوصة في واقع منقسم، فليبيا تعيش منذ سنوات في حالة من الانقسام المؤسساتي والضعف السيادي، ما يجعلها بيئة جاذبة لمشاريع وظيفية خارجية، سواء كانت أمنية أو ديموغرافية. ومع غياب إطار دستوري جامع، ووجود حكومتين متوازيتين، يصبح الخوف مشروعًا من إمكانية أن تُستغل هذه الحالة لتمرير صفقات غير مُعلنة، حتى وإن نُفيت رسميًا.
النفي مطلوب… لكن وحده لا يكفي ،،، بالرغم من أهمية نفي كل من المجلس الرئاسي وحكومتي الوحدة الوطنية والاستقرار، فإن مجرد التطرق لهذه الفكرة في وسائل إعلامية دولية كبرى، يفرض على ليبيا أن تتعامل مع الأمر بمستوى أعلى من الشفافية والمبادرة، عبر فتح قنوات دبلوماسية مباشرة مع الجهات التي تُثار حولها هذه المزاعم، وتوضيح الموقف الليبي بشكل لا يحتمل التأويل.
ونطرح هنا سؤالا : هل الخطر وارد؟
نعم، الخطر وارد، خاصة في ظل وجود سوابق إقليمية، وتاريخ من الضغوط التي مورست على دول هشة أمنيًا لقبول مهجرين أو مدانين من الخارج. وهذا يتطلب رفع منسوب الوعي السيادي لدى المؤسسات والرأي العام، وخلق جبهة وطنية موحدة ترفض مثل هذه السيناريوهات على مستوى التشريع والممارسة.
ونقترح الآتي :
أولا : تثبيت النفي بخطاب رسمي مشترك يصدر عن المؤسسات كافة، ويُرسل إلى الأمم المتحدة والدول المعنية.
ثانيا :استصدار قرار وطني واضح يمنع أي جهة من الدخول في تفاهمات تتعلق بإعادة التوطين دون موافقة برلمانية صريحة.
ثالثا: تفعيل أدوات الرقابة البرلمانية والقضائية لمتابعة أي محاولة خفية أو غير معلنة تتعلق بهذا الشأن.
رابعا : تعزيز التنسيق الدبلوماسي الاستباقي مع الدول الصديقة لليبيا لتوضيح حدود السيادة الوطنية ورفض أي ترتيبات غير معلنة أو منقوصة التفويض.
وفي الختام نؤكد أن ليبيا اليوم ليست دولة منهارة، بل دولة تعاني من ضعف مؤسساتي يمكن إصلاحه، والسيادة تُبنى بالمواقف الموحدة لا بالإنكار فقط.
النفي كان خطوة أولى جيدة، لكنه لا يُغني عن ضرورة الاستعداد المسبق، والتأطير القانوني، وبناء موقف وطني صريح يحمي البلاد من أن تُستعمل، أو تُختبر، كأداة وظيفية في صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل