منصة الصباح

“نبتدي منين الحكاية؟”

  • زايد.. ناقص

بقلم /جمعة بوكليب

قصدتُ اختيار العنوان أعلاه. والسبب بسيط، وهو أنني قرأت مؤخرا رواية تونسية صادرة عام 2013 عن دار ابولونيا للنشر بعنوان ” كلب بن كلب” لكاتب تونسي اسمه توفيق بن بريك. للأسف الشديد، لم يسبق لي أن سمعت باسمه أو قرأت له من قبل. كما أني لم أعد أذكر كيف عثرت على الرواية: هل اشتريتها في زيارتي الأخيرة لتونس، أم أحضرتها معي من معرض القاهرة للكتاب؟ وما أعرفه أنني قرأتها مؤخراً. الرواية قصيرة من القطع الصغير وعدد صفحاتها 228. الغريب أنني عرفت أن للكاتب اصدارات عديدة باللغتين العربية والفرنسية، في الشعر والقصة والرواية والمقالة. وأن “كلب بن كلب” مكتوبة من الصفحة الأولى إلى الأخيرة في نفس واحد، وباللغة التونسية الدارجة. سرد طويل غاضب وبذيء ومضحك بلهجة تونسية مستغلقة أتعبتني في البداية، لكني فيما بعد تمكنت من الإمساك بها والتواصل مع موضوع الرواية. لكنها رغم صعوبتها أعجبتني جداً، لما أبداه كاتبها من جرأة في الخوض في تناول مواضيع سياسية وجنسية واجتماعية واقتصادية، من خلال شخصية رجل أطلق عليه اسم “سعد كاويوي” تونسي ينتمي إلى بلاد التكزاس، أي تكساس – تونس.
لست هنا في مجال التعرض للرواية بالنقد، فهذا ليس هدفي. الغرض هو السؤال حول كتابة رواية باللغة الدارجة من الألف إلى الياء. الرواية ذكرتني برواية “النخلة والجيران” للكاتب والمترجم العراقي غائب طعمه فرمان. فقد قرأتها ثلاث مرات، في ثلاث مراحل مختلفة من عمري. الأولى في السبعينيات، والثانية في التسعينيات والثالثة في الشهور الأخيرة خلال فترة الحجر الوقائي من الوباء. القراءة الأخيرة كانت الأهم، والأفضل لتوفر الوقت والمزاج، مما أتاح لي التواصل مع سردها الذي يمتليء بحوارات كنت في الماضي أعدها مستغلقة، كونها كتبت باللهجة البغدادية في الستينيات من القرن الماضي. الكتابة باللهجات الدارجة ليس أمرا جديداً، فهي دوما محط نقاش وحوار في كل الأجيال الأدبية. المشكلة أن الكاتب التونسي بن بريك خط روايته كلها باللهجة الدارجة، وترك للقاري غير التونسي مهمة حل الغازها. وأعترف أنني نجحت في ذلك ربما لأني ليبي، ولهجتنا لا تبتعد كثيرا عن اللهجة التونسية. وربما أيضاً لأنني أريد أن أفهم العالم الذي كان يقودني نحوه المؤلف. وهو عالم تونسي جداً، معقد سياسيا وجنسياً واجتماعيا ونفسياً. وبطل القصة متقلب، زي الريح، وفي أحيان كثيرة وفي حمّى السرد لا يعد بوسع القارئ أن يعرف إن كان المؤلف يسرد رواية أم يفرغ في شحنات غضبه على البلاد والعباد والأحزاب التي تولت السلطة بعد ثورة الياسمين. هذا المقطع على لسان الراوي، في صفحة 140، يصف حالة البطل سعد كاوبوي ربما يكون مفتاحاً يقول :” ما تخدوش عليه. سعد كاوبوي مش قاعد يحكي، قاعد ايفرغ. اينظف.”
خط السرد الروائي مختلف عما قرأت من روايات. أي أنه هادر هدير سيل، يأخذ في طريقه كل ما يلقاه. والضرب، منذ البداية، في المليان، والبذاءة بلا حدود. لكن البذاءة لا تأتي استعراضا لقاموس الكاتب الشعبي، بل هي بذاءة واقع بذيء سياسياً وليست مفتعلة. وشخصياً، لم أجد غضاضة فيها طالما أنها تخدم الرواية وتفي بالمطلوب. الغضاضة ربما أجدها في غموض العامية التونسية التي ربما تجعل من الصعوبة على غير القارئ التونسي فهمها والتناغم معها. ولا أعرف على وجه الدقة ما إذا كانت هذه المحاولة الاولى للكاتب أم أنه سبق له نشر أعمال إبداعية روائية باللهجة الدارجة.

شاهد أيضاً

الخارجية تأسف على فشل مجلس الأمن في قبول عضوية فلسطين بالأمم المتحدة

أعربت وزارة الخارجية عن اسفها من فشل مجلس الأمن الدولي في الموافقة على مشروع قرار …