مفتاح الصغير المصباحي
تُطالعنا الأخبار كل يوم بإعادة مجموعات من المهاجرين من داخل البحر إلى الأراضي الليبية، وكذلك أخبار متقطعة بين الحين والآخر عن ترحيل “طوعي” لمهاجرين من ليبيا إلى بلدانهم..
إلا أن الجهات التي تقوم بالترحيل سواء الليبية، أو تلك الدولية المشاركة في عمليات الترحيل، لم تخبرنا إذا كان المهاجرون المرحلون هم أولئك الذين تمت إعادتهم من وسط البحر في اتجاههم للشواطيء الشمالية من البحر المتوسط، أم لا..
في ليبيا توجد فئتان من المهاجرين غير الشرعيين، الأولى هي التي اتخذت من ليبيا مكاناً لإقامتها والعمل بها، أما الفئة الأخرى فهي التي تتخذ الأراضي الليبية ممراً للعبور إلى الأراضي الأوروبية، وإقامتها بليبيا محدودة، حتى يتسنى لها جمع المبالغ المالية المطلوبة لانتقالها إلى الضفة الشمالية..
وتضطر الفئة الثانية إلى دفع مبالغ طائلة سواء بالدينار الليبي أو العملة الصعبة، وذلك منذ اجتيازها ودخولها غير الشرعي عبر الحدود الليبية، وتنقلها من المناطق الحدودية، التي غالبا تكون بعيدة عن الساحل الليبي، وصولاً إلى المدن الساحلية، والتنسيق لعملية ركوب البحر، التي تستهلك المقدار الأكبر من المال..
وبالعودة إلى الشرائع السماوية، وكذلك إلى مواثيق حقوق الإنسان، فإن التنقل والإقامة حق مكفول للإنسان، ينتقل حيث يريد أن يعيش، بالتوافق مع القوانين والتشريعات لكل دولة..
إلا أن إعادة المهاجرين من وسط البحر إلى ليبيا، وعدم تمكينهم من تحقيق حلمهم وهدفهم في الوصول إلى الدول الأوروبية، يطرحُ سؤالًا مهماً، ألا وهو:- من يقوم بتعويض المهاجرين المُرجَّعين عن الأموال التي صرفوها في سبيل ركوب البحر والهجرة إلى الشمال؟!
أم أن تلك الأموال التي أفنوا سنوات وذاقوا الويلات في تجميعها، قد ذهبت هباءً منثورا….؟!
إن مشكلة الهجرة غير الشرعية في ليبيا تكمن في نقطتين أساسيتين، أولاهما الامتداد الكبير لحدود الدولة الليبية، من جميع الاتجاهات، والانقسام السياسي والأمني، الذي أدى إلى عدم توحيد جهود حماية الحدود، سواء بالطرق التقليدية، أو بالمراقبة الإلكترونية والجوية، والأخرى عدم تنفيذ القوانين والتشريعات الخاصة بالدخول والإقامة في البلاد..
ورغم ان بلادنا ومنذ عقودٍ خلت، تُعاني إسهالاً تشريعياً، أوجد كمََّاً كبيراً من القوانين والتشريعات والقرارات المنظمة للحياة داخل البلاد، إلا أنها في ذات الوقت تُعاني إمساكاً تنفيذياً مُزمناً، أدى في كثير من الأحيان إلى تورم وأزمات مستفحلة، يصعب علاجها..
فالمشرّع الليبي سنَّ ثلاثة قوانين، تعمل على تنظيم حركة الدخول إلى البلاد والإقامة والعمل بها، وكذلك تضمن حقوق الوافدين، وهي:-
– القانون رقم “6” لسنة “1987”م، بشان تنظيم دخول واقامة الاجانب في ليبيا..
– القانون رقم “19” ؛لسنة “2010”م، بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية..
– القانون رقم “24” لسنة “2023”م، بشأن مكافحة توطين الأجانب في ليبيا..
إلا أن عدم تنفيذ ما جاءت به هذه القوانين، أوجد الحالة التي تُعاني منها البلاد الآن، من تكدّس للمهاجرين غير الشرعيين من كل حدب وصوب، وجعل الحكومات بين مطرقة الشعب، وسندان الضغوط الدولية، خاصة الأوروبية، التي تعاكس رواية “الطيب صالح” موسم الهجرة إلى الشمال، لتعيد المهاجرين إلى ليبيا في مواسم الإعادة القسرية إلى الجنوب..
إن الحل في مسألة الهجرة غير الشرعية وتنظيمها، ليس صعباً ولا مستحيلاً، فقط متى توفرت الإرادة السياسية، وتم تنفيذ ما جاءت به القوانين والتشريعات الليبية، أسوةً بكل دول العالم، في الحفاظ على كيانها، وهويتها وأمنها القومي..
وليكن ما قام به الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في هذا الخصوص، مثلاً يُحتذى..