بقلم /محمد الهادي الجزيري
كان يتحدّث بحماس رهيب وإن لم يخل من احترام وتقدير للضيف الذي هو ليس إلاّ أنا، دافع بكلّ ما أوتي من حجج وبراهين على حقّ الأمازيغ في العيش بكرامة في المغرب وأكّد أنّهم يمثّلون أغلبية السكان واستشهد بما عنّ له من أحداث تاريخية ومن أشعار وأدب للدلالة على تأصّل الأمازيغية في الأرض المغربية…
هو شاب مغربي التقيته على هامش مهرجان الشعر والموسيقى بمدينة ورزازات المغربية في سنوات خلت ، وذكرته الآن ..مرّ بذاكرتي طيفا جريئا ، وكنت قد بذلت جهدا لا بأس به لإقناعه بحتميّة التعايش وضرورة قبول الآخر وتجنّب التطرّف في المطالبة بحقّ كلّ مكوّنات المجتمع المغربي والعربي عموما، ولعلّ أجمل ما شدّني إلى هذا الشاب ترديده طوال الحوار لهذه الجملة: ” نحن لا نكره العرب فهم إخواننا ” ، فالرجل إذن طالب حقّ وليس داعية للفرقة أو الفتنة والانفصال مثلا، وهذا هو المطلوب في هذا الظرف الحرج التاريخي، حذار من تحويل وجهة هذه ” الإصلاحات الثورية العربية” إلى انشقاقات داخل الجسد الواحد، فهذا ما يرغب فيه الأعداء بقوّة، نعم توجد في الوطن العربي أقليات عرقية ودينية وعلى الأغلبية أن تحترمها وتلبي لها حقوقها كاملة دون نقصان، لكن على الأطراف الأخرى أن تعبّر دون لبس أو دوران عن حرصها على وحدة المجتمع والدولة والوطن، هذا ما سيصل بنا إلى برّ الأمان
. في مدينة ورزازات المغربية يبدو التعايش الجميل بين العرب والأمازيغ واضحا وجليّا، الكلّ يعمل ، الكلّ يجتهد من أجل ازدهار المدينة والمغرب ككلّ لا يتجزّأ، وهذا ما عاينته شخصيا من خلال حواراتي مع الناس في الأسواق والساحات العامة، في النزل وفي فضاء ” القصبة ” الذي انتظمت فيه سهرات المهرجان، ثمّة حرص من الجميع على احترام الآخر، بداية من تخصيص فقرات للشعر الأمازيغي، وفقرات للأغاني الأمازيغية في جوّ من التناغم الرائع مع الفقرات المخصصة للشعر العربي والأغاني العربية، كان الجمهور في غاية الروعة ، منسجما مع ما يُقدّم له من إبداع شعري وموسيقي، ولكم همست لنفسي
أثناء السهرات : هذا هو المطلوب ، هذا هو الممكن الذي علينا التشبّث به ،
وأنا على وثوق تام بأنّ الغد أجمل، شريطة أن نكون حذرين ممّا يُدبّر لنا في كواليس المستعمرين الجدد، وأرجو أن لا أكون مخطئا ..وعلى ذكر التعايش أترككم مع نصّ بعنوان ” عائلتي التونسية “..:
أختي الكبرى ترتدي الحجاب وترفض بشراسة أن تقاسمها امرأة أخرى زوجها، أمّا زوجتي فلا شيء فوق رأسها غير شعرها الذي لم يترك لها الأبناء بعض الوقت للعناية به، وعلى ذكر الأبناء ، أتعبني أكبرهم فمرّة يغرم بالفتيات وأحيانا يولع بالصلاة ، وفي ما يخصّني أنا فقد أكدّت على ذئبية الإنسان في روايتي الجديدة ” جنّة الذئب “التي سيلقيها ابن عمّي في النار فهي من عمل الشيطان، أمّا بنات العائلة فسيضعنها تحت وسائدهنّ ، ويعدن قراءة بعض مقاطعها قبل النوم وبعده، فالرواية طافحة بالانتصار لأجمل وأرهف خلق الله : المرأة، كدت أنسى خالي المدمن على التجارة وابنه العاطل عن الحياة، فكلاهما لا علاقة له بروايتي ولا بالشعب التونسي وأحزابه المائة ، وفي الحقيقة إنّ عائلتي فسيفساء من الأهواء والميولات والنوايا المعلنة والمضمرة ومع ذلك يحرص أفرادها على حضور كلّ مأتم وكلّ عرس، ولا يمكنني إحصاء عدد المرّات التي اختلطت فيها دموعنا، ولا المرّات التي رقص فيها الجميع جنبا إلى جنب، تحت أنظار وحماية عمّنا الحاج وصهرنا خطيب الجمعة، وجارنا النقابي الصارم، وأؤكد لجميع المحرومين أنّهم محرومون إلى حدّ الساعة وإلى الأبد، إلاّ في حالة قبولهم لإحدى دعواتنا ومشاركتنا الغناء والرقص ومقاسمتنا ماءنا وملحنا ودفئنا وحبّنا للحياة ولكلّ الكائنات الحيّة والميّتة، على فكرة أيها المتلصصون على أخبار عائلتي، عاد أخي الأوسط من غربته الإجباريّة، وأخبر أمّي برغبته في طرد البعض منّا وأبناء وبنات الجيران من بيتنا الصغير والرحب في الآن نفسه، كما وشوشها أنّه يحلم بتحويل بيتنا النابض منذ كان ، إلى “محكمة تفتيش” لفرز الصالح من الطالح ، ولا شكّ أنّكم تسمعون الآن ضحكة أمّي البهيّة وقهقهة أفراد عائلتي التونسية
ولو أصختم السمع أكثر لتوضّح لكم دعاء أختي الكبرى : “ربّي يهدي ما خلق”
ها إنّها تواصل دعاءها وهي تتهيّأ لإعداد وليمة تليق بعودة أخينا الأكبر، في حين تصلني أنا فقط ، دندنة أختي الصغرى وهي تتجمّل في غرفتها وتتواصل على الفيسبوك مع حبيبها الأول ….