الصباح
صدر عن دار الورشة الثقافية في بغداد كتاب جديد بعنوان “نخلة وزيتونة ومنارة: رحلة عراقي مهاجر إلى ليبيا” للإعلامي الدكتور محمد فلحي، رئيس قسم الإعلام الرقمي في كلية المنصور الجامعة في بغداد.
يصنف الكتاب ضمن أدب الرحلات، إلا أنه يتجاوز هذا التصنيف ليقدم مزيجاً من التوثيق القصصي والتحليل السياسي لتجربة الكاتب في الهجرة والعمل أستاذًا جامعيًا في ليبيا لمدة اثني عشر عاماً.
يتناول المؤلف الأحداث والتحولات التي شهدتها ليبيا والعراق وانعكاساتها على الحياة والمجتمع، ويروي قصصاً ومواقف شخصية من خلال معايشته ومشاركته واطلاعه المباشر على تفاصيل ما جرى في المنطقة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
يُذكر أن الدكتور فلحي عمل تدريسيًا ورئيسًا لقسم الإعلام في جامعة عمر المختار بمدينة البيضاء الليبية أواخر تسعينيات القرن الماضي.
ويشير الروائي الليبي سالم الهنداوي في مقدمة الكتاب إلى أن محمد فلحي سردياته من عُمق الجُرح العراقي وندبات الزمن على تاريخه ونخيله، بل وعلى حاضره ومستقبله وقد نالت منه الحروب فأدمته وشرّدته في زمن البيوع والأيديوجيا الخاسرة بعد أن كان العراق هو التاريخ وصانع الحضارات. بقدر استمتاعي بلغة السرد الشيّقة التي لامست أوجاع العراق وصاغها الكاتب قصصاً واقعية من تجربته في الحياة، منذ نشأته الأولى على ضفاف النهرين، وتأثره بتجربة حياة جدّه الحالم الأصيل، الرمز الوجودي الذي أحبّه فاصطحبه معه ذات مساءٍ إلى “الأهوار” في رحلة صيد ليلية تعرّف فيها على المغامرة حين غاصت قدميه الصغيرتيْن في وحل نهر دجلة وهُما ينصبان الفخاخ للطيور المهاجرة، فكانت الأسئلة تكبره في ظلام المكان لينال ما يستطيع من معرفة الصمت وحيل الصيد التي فتحت خياله على رمزية الرحيل والهجرة والموت على الضفاف الغريبة!
قيمة الإنسان
ويضيف الهنداوي “تفاعلت شخصيات الكاتب بهامشها اليومي، بين مظاهر الفساد، وبين العنف المجتمعي والسلوك الإجرامي الطائفي، والناس من أبناء الوطن الواحد يهيمون على وجوههم بحثاً عن رزقهم المسروق، وقد جمعهم الموت هذه المرّة في سوق الخضار حين انفجرت الشاحنة المفخّخة فتناثر الناس أشلاء وغرق السوق في الدم، وما كان من الكاتب وهو يجمع حلم العودة في كلمات، إلّا الوقوف مذهولاً أمام الفاجعة بين الجرحى والمبتورين وهم يصرخون ويئنّون بين أقدام المسعفين وأصوات سيارات الإسعاف والمطافئ.
في كتاب (نخلة وزيتونة ومنارة)، ثمة محطّات زمنية بين نشأة الحياة وموتها، بين الوجود كفكرة باقية في الخلود، والعدم كنتاج بشري لتدمير هذا الوجود.. ولقد كان الكاتب مخلصاً للإنسان كقيمة باقية، تفاعل مع مأساته في الحياة، وكان ضمن شخصيّاته المقهورة، موجوعاً في أيامه، ومطارداً في الزمن ومهاجراً كتلك الطيور التي انتهت غربتها في النهر، وشاهداً أديباً بوثيقة الكتابة على حماقات الأنظمة الشمولية التي حكمت شعوبها بلا معروف، ويوم سقطت في عاصفة التغيير بلا معروف، أخذت معها بقايا الأحلام التي كانت في الوطن، لعلها تجد من يعيد بنائها في مستقبل غير بعيد.